محمد بهضوض: دردشة رمضانية (27/30)

 

- إطار العيش ( 3/3)

*

  الأمن

 

لا حياة دون بيئة. لكن لا بيئة دون أمن،  أي دون أن يحس الإنسان أنه آمن، في عقله وماله  ونسله  ونفسه ودينه (حسب المقاصد الاسلامية المعروفة). ما يعكس أهمية الأمن عند البشر والدول والمجتمعات،  قديما وحديثا.

هذا ما اتضح، مثلا، حسب الكتب المقدسة، في قصة قابيل  وهابيل، والتي تشير رمزيتها إلى أنه كان يكفي أن يلتقي شخصان على الأرض  حتى يهدد أحدهما الآخر، لسبب ما، بل يسارع إلى قتله. "وكان الإنسان أكثر شيء جدلا" و...عنفا.

ما جعل بعض الفلاسفة يستنتجون ان "الإنسان ذءب لأخيه الانسان" (هوبز)، أو  انه طيب و"ابن حلال" ولكن المجتمع يفسده (روسو ). وفي الحالتين، فهو في حاجة لأمير أو دولة قوية، أو "عقد اجتماعي" لحمايته من نفسه أو من الآخر.

واذا كانت كل جماعة بشرية قد وجدت داءما سبلها الخاصة لتأمين نفسها،  فان ظهور الدولة/الامة في العصر الحديث، حول  الأمن الى سياسة  عمومية محددة، تحتكر بواسطتها الدولة "العنف المشروع"، لفرض النظام.

لكن، فضلا أن بعض الدول، الاستبدادية،  استعملت-ومازالت-  هذا الاحتكار  ضد شعوبها (حاميها حراميها)، فإن الدول الديموقراطية ذاتها  وإن قامت على الحق و القانون، فقد واجهت، ومازالت، إشكاليات عدة في مجال  الامن.

ذلك، أنه إضافة الى الأمن السياسي (المرتبط بشكل النظام السياسي المتبع)،  فقدت برزت خلال العصر الحديث أشكال أخرى للأمن (الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي،  التكنولوجي..)  الى جانب مخاطر الفقر والبيئة والهجرة والإرهاب (...).

هذا ما جعل منظمة الأمم المتحدة تتحدث، في تقريرها حول التنمية البشرية سنة 1994، عن "الأمن البشري". وهو الذي يفيد أن الامن لم يعد يتعلق بحماية الدولة فحسب (الأمن القومي)، بل وقبل كل شيء  حماية  الإنسان ذاته.

كيف؟ المقترحات عديدة: سياسية (الديموقراطية التشاركية) دينية وروحانية (الرجوع لله)، واقتصادية (تعديل النظام الاقتصادي) واجتماعية ( الشغل والحماية )  وتربوية وثقافية (تحسين التعليم ونشر الثقافة) وإعلامية....، الخ.

. لكن الواقع يفيد بأن التحديات الأمنية ما فتءت ترتفع،   وان الدول تبدو عاجزة عن مواجهتها (مخاطر اللاحكم). فهل  نحن إذن ازاء العودة إلى ماقبل الدولة، أي الى شريعة الغاب؟