تحليل

عن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية باقليم الحسيمة نتحدث

احمد المرابط

كما هو معلوم جاءت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كهندسة اجتماعية حقيقية تتجسد من خلال تحديد طرق التدخل مع اعتماد طرق تفضي إلى نتائج قوية و استخدام وسائل غير مكلفة، و تكوين الموارد البشرية المؤهلة والسهر على سير المبادرة، و وضع آليات مراقبة و رصد لظواهر الفقر و الإقصاء بكل موضوعية و يقظة و شفافية، و اعتبار انطلاقتها فرصة مواتية للتصالح مع الذات و مع المجتمع، مع الاعتماد على مفاهيم جديدة كالمقاربة التشاركية و المقاربة المندمجة، التشخيص التشاركي التقييم، الافتحاص و المراقبة...فضلا عن ما تجتهد فيه الإدارة من محاولات الانفتاح على جمعيات و هيئات المجتمع المدني و جعلها شريكا أساسيا يجب استشارته و العمل بجانبه... هذا في الوقت الذي تعتبر فيه المبادرة برنامجا نابعا من الإرادة...فلا يسعني بصفة شخصية إلا أن أشيد بالمجهودات التي تسعى إلى خلقها وإحداثها عمالة إقليم الحسيمة فيما يخص إجمالي المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بالإقليم  إذ يمكن القول أن المشاريع و البرامج المنجزة منها توزعت بين تلك الخاصة بدعم الولوج للتجهيزات والخدمات الأساسية  والتنشيط الاجتماعي والثقافي والرياضي وتقوية الخدمات الصحية، بالإضافة إلى دعم المؤسسات التعليمية مشاريع  خصص بعضها لبناء وتجهيز المدارس منها الجماعاتية ودور الطالب وتوفير النقل المدرسي لبعض التلاميذ في العالم القروي...

أما بخصوص الأنشطة المدرة للدخل والمحدثة لفرص الشغل، فقد أنجزت منها جملة من المشاريع عبر تنفيذ مشاريع منتجة خصوصا إذا ما استحضرنا ما حملته المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من آمال وطموحات كبيرة، لتجاوز واقع التهميش والهشاشة، وتخفيف آثار الفقر، باعتبارها مشروعا مجتمعيا يساهم في تقوية خدمات الدولة والجماعات المحلية ،و يهدف إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للسكان، مكنت من إذكاء دينامية للتنمية البشرية متناغمة مع أهداف الألفية التي ترتكز على إشراك وإدماج المواطنين في المسلسل التنموي...

وهذا بفضل الدور الذي تلعبه اللجنة الإقليمية باعتبارها من أهم أجهزة الحكامة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية كفضاء للتشاور والحوار والتفكير بين مختلف الفاعلين التنمويين على صعيد هذه العمالة، تكريسا لثقافة التشارك وتحقيقا للمرامي السامية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، لما لها من أهمية ودور القطب الاجتماعي المحدث على مستوى هاته العمالة، والذي يضم في تركيبته المصالح الإدارية والتقنية للدولة، وفعاليات مدنية أخرى...

لكن مع كل هذا يبقى التشديد على أهمية القطاع الخاص ودوره الهام في دعم الأنشطة المدرة للدخل٬ وضرورة التركيز على الأنشطة ذات القيمة المضافة للمواطن والموفرة لمناصب شغل.

و مع هذا كله فالملاحظ أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على المستوى الاقليمي مازالت في حاجة إلى المزيد من الفعالية خصوصا و أن طبيعة الواقع الاجتماعي (الاقتصادي والفكري والنفسي والتربوي والبيئي) تلعب دوراً أساسياً في تحديد طبيعة الأزمات والمشكلات التي يعاني منها الشباب.

 فهذه العوامل تؤثر بفعّالية في تكوين أنماط السلوك واتجاهات الفكر وسقف المعاناة النفسية والمادية للشباب والتي تخلف صعوبات في التنمية والتطور في المجتمع لتحقيق الهدف الرئيسي الرامي إلى إدماج الشباب في عملية التنمية.. فبإشراك هذا الشباب واستجوابه لمعرفة احتياجاته ورفع توقعاته ورؤيته سيكون من المفيد جدا العمل على الحد من المخاطر الناشئة عن الإضعاف المتواصل للشباب وتأثيراته النفسية وإمكانية تحوله إلى طاقة تدميرية كالتسكع و الانحراف نحو المخدرات و السرقة، والدعارة.. و هي وقائع تفضي  بضرورة الارتقاء بفرص مشاركة الشباب  في الحياة المدنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، و توسيع مجال حقوقه والتوجه للاشتغال الفعلي في حقل الحريات العامة لترسيخ قيم المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان، بالإضافة إلى نشر ثقافة التواصل مع الآباء والجمعيات والمؤسسات المعنية...

و من جهة أخرى و بحسب منظوري الشخصي  ومن خلال تتبع ومواكبة مجال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على مستوى إقليم  الحسيمة كنموذج للواقع الوطني ، في الوقت الذي تعتبر فيه الحكامة الجيدة بمبادئها المرتبطة بالتخطيط، و بالرؤية الإستراتيجية، و بالمحاسبة، و بالمساءلة، و بحكم القانون، و بالمساواة والشفافية، و بالتنظيم و المراقبة سواء كانت قبلية أو آنية أو بعدية بمثابة ركيزة أساسية لإنجاح المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فإنه إذا ما حاولنا الوقوف على أهم الإكراهات سواء كانت إدارية أو مالية، فإن ابرز الإكراهات  الواجب إيلاؤها الاهتمام و التفاعل الايجابي معها هي تلك الإكراهات الفلسفية التي تبقى أيضا ضرورة ملحة للوقوف عليها، إذا علمنا أن هاته الإكراهات الفلسفية تتمثل أساسا في عدم استيعاب الفلسفة الجديدة خصوصا في المجال السياسي الذي يبقى البعض منه بعيدا كل البعد عن مفهوم التشاركية وما تتطلبه من مصداقية والتزام بالوفاء ليدفع إلى مجال المبادرة الوطنية الوقوع في متاهات أغراض شخصية وأهداف إيديولوجية التي تتنافى وأغراض المبادرة الوطنية للتنمية البشرية جملة وتفصيلا كما جاء في مناسبات سابقة من كلام وتوجيهات جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده الذي ركز بل أعلن عن رفضه لتسييس المبادرة الوطنية للتنمية البشرية حيث جاءت فقرات تفسير اغراض واهداف هذ المجال في تاريخ 18 ماي 2005، حين  أعلن جلالته ، حفظه الله، في خطابه السامي انطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، معتبرا هذا الورش الكبير إجابة على الإشكالية الاجتماعية في المغرب، و في اطار المتابعة والتقويم، قرر جلالة الملك - نصره الله- في خطابه السامي ليوم 30 يوليوز 2009، بمناسبة عيد العرش، على أساس النتائج الأولية لمبادرة التنمية البشرية،" بإعطاء دفعة جديدة وقوية لهذا الورش الدائم، انطلاقا من هذه التوجيهات:

أولا: توخي المزيد من النجاعة والمكتسبات... و لأجل ذلك، ندعو كافة الفاعلين عند إعداد مشاريعها إلى مراعاة نوعيتها واستمراريتها، والتقائها مع مختلف البرامج القطاعية، ومخططات التنمية الجماعية.

ثانيا : ضرورة إخضاع مشاريعها للتقييم والمراقبة، والأخذ بتوصيات المرصد الوطني لهذه المبادرة.

ثالثا : التركيز على المشاريع الصغرى الموفرة لفرص الشغل وللدخل القار، لاسيما في هذه الظرفية الاقتصادية الصعبة".

كما أن المجال الإعلامي يضطلع من جهته بمهمة حساسة لتنوير الرأي العام وتسليط الأضواء بكل موضوعية عن ايجابيات واختلالات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، إعلام  رغم ضعفه إقليميا ( بالرغم مما قد يسجل من مبادرات أيضا في هذا الوسط لمواكبة العمليات المرتبطة بالمبادرة الوطنية إن محليا أو إقليميا  حيث تبقى ضعيفة – و هذه حقيقة وجبت إثارتها في حقنا كإعلاميين) نظرا للدور الذي يراد منه إطلاع الجميع بفحوى المبادرة - ، قلت الدور الإعلامي الذي يراد منه إطلاع الجميع بفحوى المبادرة و ببرامجها و فلسفتها، و عدم اقتصاره على الهيئات و اللجان المتصلة مباشرة بالمبادرة، أو الباحثين، الشيء الذي سيجعل المبادرة برنامجا تفييئيا، في حين أنه برنامج منفتح على كل طاقات المجتمع.

و أمام هذه المواقف، يبقى المواطن عنصرا مهما في العملية التنموية، و المواطنة تعتبر سبيلا من سبل إنجاح المبادرة من أجل تنمية بشرية ملؤها التكامل و التضامن و التعاون..وتبقى كذلك العلاقة بين المواطنة والتنمية البشرية علاقة متينة، على أساس أن بناء الوطن هو قوام المواطنة، و التنمية البشرية هي بناء الوطن بالمعنى الشامل، فكلما كانت المواطنة أصيلة و قوية، كلما كان إسهام المواطن في التنمية البشرية فاعلا و مؤثرا، و بالتالي حينما نؤكد على أخلاقيات المواطنة، نكون في الوقت نفسه نؤكد على ترسيخ أسس التنمية البشرية التي تهدف إلى تحقيق التقدم والرفاهية لجميع أفراد المجتمع.