محمد بهضوض: دردشة رمضانية (16/30)

- المجتمع (1/3)
***
النحن
 
حينما تحدثنا عن السياسة والدولة والديموقراطية فقد تحدثنا، في واقع الأمر، عن  "النحن"، الذي يتطلع إلى بناء ذاته وتحقيق مدينته الفاضلة على الأرض.  لكن ، من نحن هذه؟
ذلك، أننا حين نتأمل ما يحيط بنا نجد:  من جهة، كل ما يفرقنا من اختلافات وخصومات وصراعات وحروب؛  ومن جهة أخرى، كل ما يربط بيننا من علاقات انسانية  وتوافقات وتضامنات وجسور قائمة  للمحبة والسلام.
هذه طبيعة البشر، التي تتراوح بين  الاختلاف والوحدة، الفجور والتقوى، الشيطان والله! ما يفيد أن "النحن"، الذي نحن عليه أو نطمح أن نكونه، ليس صافيا (حتى زين ما خطاتو  لولة) ولا ثابتا، حيث "لا نسبح في النهر مرتين".
إن  "النحن"، بذلك، كيان مفهومي مركب. فهو قد يعني الدولة/الامة، كما قد يعني المجتمع والدين والأسرة والحزب والنقابة والفريق والجمعية والنادي والاصدقاء...، مع ما يمكن ان يوجد بين كل أشكال النحن هذه  من تعالقات أو تناقضات.
 يتحدد "النحن"، وفق ذلك، بطريقتين: بالجماعة التي تقابل الفرد (الانا/النحن)، وبالجماعة التي تقابل الجماعة  (النحن/وهم). ما يجعل معناه يتحدد، في النهاية، بطبيعة أو جدلية العلاقات البشرية في كل زمان ومكان.
لكن السؤال في هذه الحالة هو: ما الذي يجمعنا أو يفرق بيننا كبشر ؟ هل الغريزة أم الدين أم العقل أم المصلحة أم ماذا؟ ربما كل ذلك، ما يجعل بناء النحن مسألة متوترة دوما، وقابلة بذلك للشيء ونقيضه.
فهي قابلة للازدهار ، مثلا، حين يتجسد النحن في مشروعات كبرى (مثل الحضارتين الرومانية والعربية الاسلامية). وقابلة للانحطاط حين يفشل في ذلك، ويتفسخ إلى "نحنات" أو "أنوات" صغيرة لا ترى أبعد من أنفها. 
وهي مسألة تتجاوز المشاريع الكبرى إلى أصغرها. حيث يبدو  "النحن"  عموما في أزمة تتمثل: في تحول بعض أشكاله إلى عصاب جماعي (مثل الأصوليات الدهرية والدينية). ومن جهة أخرى، في تحلله إلى فردانيات نرجسية مشتتة لا جامع بينها.
      فهل يمكن للانسان ان يعيش بنحن مريضة، أو دون نحن بالمرة ؟ النقاش مفتوح.