تحليل

لمثل هذا يذوب القلب من أسف... جميعا من أجل حملة شرسة ضد الأقراص المهلوسة

فراجي سليمة*

أمر محزن حقا يجعل القلب يذوب من أسف على شباب في مقتبل العمر يدمرون أنفسهم وعائلاتهم ومحيطهم بسبب سلاح فتاك اسمه الأقراص المهلوسة وجميع أصناف المخدرات الأخرى.

ولعل القضايا المعروضة على المحاكم المرتبطة بالتعاطي لهذه السموم خير دليل على الدمار الشامل ليس للمستهلك وحده وإنما للعائلة بجميع أفرادها، أمهات منهكات، منكسرات، مقهورات يترددن على المحاكم والسجون، يذرفن دموعا حارة على فلذات أكبادهن، وآباء من المفروض أنهم في قمة الوقار رسم الزمان تجاعيد وأخاديد على وجوههم من شدة الألم والحسرة، يحضرون الجلسات لساعات طوال، ويدلون بتنازلات رغم تعرضهم للضرب والجرح والسرقة من طرف فروعهم الذين يفقدون السيطرة على أنفسهم ويرتكبون جرائم الاعتداء على الأصول تحت تأثير المادة المخدرة.

لا نكاد نجد جريمة بشعة تقشعر لها الأبدان ويشيب لها الرضع إلا وكان لها ارتباط وثيق بتناول الأقراص أو المواد المخدرة، أليس هذا وحده سببا كافيا لشن حملات شرسة لتخليص شبابنا من شبح الموت البطيء أو الموت الزؤام، والانزلاق إلى غياهب الظلمات والآلام، ووأد الآمال، ظلام السجن وظلم وقهر القدر يُصيّر الحياة جحيما ويعاقب الوالدين بفلذات أكباد يصبحون نقمة ولعنة على الأصول، كل ذلك بسبب إدمان أقراص ملعونة تغني فئة لا مسؤولة منعدمة الضمير وتدمر شرائح من خيرة أبناء الوطن!

صحيح أن المملكة المغربية كانت من بين الرائدين في دق ناقوس الخطر بخصوص محاربة المخدرات في منتصف التسعينات، وقامت بدراسات وبائية مع تبني سياسة الحد من المخاطر وتقديم الوسائل الضرورية للعلاج واعتماد الإجراءات الوقائية، وإنشاء مراكز الدعم بالنسبة للمدمنين التي وصل عددها 11 مركزا إلى حدود سنة 2015، لكن هذه المجهودات ليست ولم تعد كافية لمواجهة آلاف المدمنين الذين يتزايد عددهم باستمرار، علما بأن الإحصائيات بينت أن انتشار المخدرات سجل 800 ألف مدمن في المغرب، وعرف شمال المملكة وشمالها الشرقي ارتفاعا مهولا في التعاطي لهذه السموم.

 

وللإشارة، فإن 80 في المائة من المتعاطين للمخدرات بالناظور يصابون بالتهاب الكبد الفيروسي، و25 في المائة بفيروس نقص المناعة، ومنطقة طنجة سجلت 43 في المائة بخصوص الالتهاب الكبدي، ناهيك عن الظروف الاجتماعية الصعبة والانحلال والاشتغال في كل ما هو غير مهيكل ومضر بالشخص ومحيطه.

ولعل هذا التشخيص يدفعنا إلى إثارة الجانب الزجري، على اعتبار أن محاكم وجدة غالبا ما تتقصى الحقائق بدقة ومهنية عالية وتصدر أحكاما تتوخى الحد من هذه الظاهرة، وغالبا لمّا تتحقق حالة التلبس بالحيازة غير المبررة والاتجار بالمخدرات تقضي بمؤاخذة المتهمين وتصل العقوبة إلى ست سنوات سجنا نافذا مع الحكم بالغرامة وإتلاف كمية الأقراص الطبية المخدرة ومصادرة المبالغ المالية متى وجدت لفائدة الخزينة العامة للمملكة وأداء الغرامة النافذة لإدارة الجمارك، علما أن الدراسات الطبية تصنف مخدر ريفوتريل rivotril ضمن مجموعة البنزودايازبين، له استخدامات طبية لبعض الأمراض الجسدية والنفسية، وهذا النوع من الأدوية يتم ترويجه بشكل مقنن وبوصفات طبية.

ويعتبر هذا النوع من الأدوية من أخطر الأنواع وأكثرها تدميرا في عالم الطب الذي ينصح بالابتعاد عنه نهائيا والحذر الشديد في التعامل معه؛ لأن عواقبه وخيمة ومدمرة، وهذا النوع هو الغالب الذي يتم توقيف المتهمين متلبسين بحيازته، بالإضافة إلى أنواع أخرى. وتتم المتابعة وفقا لمقتضيات الفصل 181 من مدونة الجمارك وطبقا للفصول 1-2-3 من ظهير1974/5/21، والفصل 3 يعاقب من سنتين إلى عشر سنوات وبغرامة من 5000 إلى 500000 درهم كل من سهل على الغير استعمال المواد أو النباتات المذكورة بعوض أو بغير عوض إما بتوفير محل لهذا الغرض وإما باستعمال أية وسيلة من الوسائل.

لكن ومهما تشددت المحاكم في توقيع العقاب، ورغم العقوبات السالبة للحرية والغرامات المالية، فإن العدد المتزايد لحالات التلبس بالحيازة غير المبررة لأقراص ريفوتريل rivotril وايكستازي extasie وغيرها من الأقراص المهلوسة التي أصبح المغرب مهددا بإغراقه بها عبر النقط الحدودية، موازاة مع محدودية، إن لم نقل عجز، السياسات العامة المغربية في مواجهتها، يجعل المسؤولين الأمنيين، بمختلف اختصاصاتهم، والمسؤولين القضائيين والقائمين على الشأن العام وأقطاب الديمقراطية المواطنة وكافة المواطنين مطالبين باتخاذ الحذر، والتصدي بشدة لهذه الظاهرة، خصوصا اللجوء إلى نظرية المخاطر المتمثلة في رصد وتتبع الأشخاص الذين لهم علاقة بالشبكات التي لها صلة بتهريب وترويج هذه الأقراص، مرورا بالمدارس والاعداديات والثانويات والأندية والأسواق وبعض الأحياء الهامشية وغير الهامشية المعروفة بتواجد من له علاقة بالترويج، حتى تتخذ الإجراءات الوقائية للقضاء وإعلان الحرب على هذه الظاهرة الفتاكة، ومد يد العون للمجتمع المدني صاحب الدور الريادي في محاربة الظاهرة.

 

بالإضافة إلى التفكير في الحلول الاقتصادية والتنموية البديلة في الجهة الشرقية التي تسجل نسبة بطالة تصل إلى 19 في المائة؛ أي ضعف نسبة البطالة في باقي مدن المملكة، والتحفيزات الضريبية لتشجيع الاستثمار، بدل ترك الشباب معرضا للبطالة والموت البطيء، واللجوء إلى وسائل التهريب والمخاطرة بالصحة والحرية، وإلحاق الأضرار بالصحة الجسدية والنفسية للمراهقين والشباب، وما يستتبع ذلك من تخريب مستقبل البلاد وضرب استقرار العائلات، واكتظاظ السجون ومعاناة عائلات تقطع أوتار القلب إن كان في القلب إسلام وإيمان!

فلنتحد جميعا من أجل شن حملة شرسة على الأقراص المهلوسة!

*محامية عضو سابقا بلجنة العدل والتشريع