قضايا

هل المسرح المغربي يحتاج إلى نقابة ؟

نجيب طلال

... هل المسرح المغربي يحتاج إلى نقابة؟

طبعا الإجابة ستختلف؛ ولكن السؤال الحاسم للاختلاف: منذ عقود وعقود ولا وجود لنقابة للفنانين ؛ فأين كان المسرحيُّون ؟ فمن زاوية العطاء كان الإبداع يحمل نوعيته الإشراقية؛ رغم اختلاف المدارس والاتجاهات على مستوى المحترفين/ المتفرغين ؛ فكان لا داعي لرفع مستوى المهنة ولا لتنظيم مزاولتها والدفاع عن حقوق منتسبيها. من خلال تأسيس نقابة مهنية .لأن العطاء والإنتاج متوفر؛ وكل مبدع وفنان يدافع عن مهنته بطرقه الخاصة . طبعا فالمسرحيون المغاربة أغلبهم لا يتوفرعلى تأمين صحي وضمان اجتماعي أوأجر تقاعدي. نظرا لغياب قوانين ناظمة لحياتهم . ولنكن أكثر شفافية ؛ فمنذ تأسيس نقابة (المحترفين) والتي  تأسست على طمع (  1في المئة) المذكورة سنة 1999 وليس كما يشاع للدفاع عن حقوق الفنانين وإيقاف الاستغلال الريعي الذي مارسته بعض من الجهات مستغلة الفراغ القانوني؛ وتلعب خارج الضوابط القانونية المعروفة . مع العلم أن النقابة  التي تفرعت عنـها نقابات أخرى ؛ وتلك إشكالية (عظمى)  كلهم يتخبطون في البحث عن صيغ قانونية تحمي بها المنتسبين إليها كإنشاء التعاضدية الوطنية للفنانين سنة 2007 وسن قانون الفنان سنة 2003 ومراجعته وتعديله سنة 2016، وإحداث البطاقة المهنية والدعم المسرحي والدعم السينمائي ودعم الإنتاجات الدرامية المختلفة. كل هذا جميل.  لأنها تـعَد أوراشا عمقها  شراكة بين ( النقابة /الوزارة ) وبالصيغة النضالية بين( النقابة / الباطرونا) فإذا دققنا في الظهير الشريف رقم 1.16.116 الذي يحَـدد تعريفا للفنان: كل شخص ذاتي يبدع أو يشارك من خلال أدائه في إبداع أو إعـادة إبداع أعمال فنية؛ والذي يعتبر العمل الفني عنصرا رئيسيا في حياته ويساهم في تطوير الفـن والثقافة أو خريج إحدى المؤسسات المختصة  في التعليم الفني المعترف بشهادتها من طرف الدولة ؛ ويعتبر فنانا مهنيا كل فنان يمارس نشاطا فنيا بصفة دائمة أو متقطعة مقابل أجر فني أو في إطار القيام بعمل فني لحسابه أو لبيعه أو كرائه لصالح الغير وتصنف وضعية المهنية للفنان المهني من حيث طبيعة العقد وتعدد الأجر الفني بحيث يكون فنانا مشتغلا بصفة دائمة - مشتغلا بصفة متقطعة – يشتغل لحسابه الخاص – يشتغل مقابل دخل إضافي-  هنا التعريف واضح أن الفنان ذاك المتفرغ لمهنته وعمله . ولا علاقة للموظف أو الذي تقاعد وغيره بالنقابة الفنية ؛ وإن كان هنالك تصنيف يقول[يشتغل مقابل دخل إضافي] القصد منه ( الموظف) ولكن بشروط قانونية لأن الفصل 15من الظهير الشريف بشأن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية ؛ المعدل بالمادة الاولى من القانون رقم05-50 في شأن منع ازدواجية المهنة ؛ ومقتضياتها. وهناك منشور وزاري  الذي  يذكي الفصل 15 من الظهير والفصل 73من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ؛ مانعا ﺍﻟﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ  ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ  ﻭﺍﻷ‌ﻧﺸﻄﺔ ﺍﻟﺤُـﺮﺓ ( إلا ) بترخيص إداري. هنا الإشكالية محسومة في قضية من له الأحقية أن يتأطر كفنان محترف. وما دون ذلك فهو تطاول وانتهازية مكشوفة؛ علما أن صفة الفنان يؤطره الظهير الشريف رقم 1.16.116 بمثابة [ أجير] هنا النص  بشكل أو آخر يضع الفن في المجال الاقتصادي/ التجاري. وبالتالي سنكون أمام إشكال نقابي هل هو مهني أوفني أو عمالي؟ لأن الصفة والإطار يختلف قانونيا. فمثلا[ المحامي / الطبيب/...] مهني وليس فني أو عمالي . ويحكمه القانون الخاص .كما أن هنالك اختلاف بين الأجير/ الموظف/ العامل/ المستخدم . فمدونة الشغل وضعت تعريفا للأجير في المادة 6 التي تقول : يعـد أجيرا كل شخص التزم ببذل نشاطه المهني تحت تبعية  مشغل واحد أوعـدة مشغلين لقـاء أجـر أيا كان نوعه وطريقة أدائه. ويدخل في مفهوم الأجير أيضا ما يعبر عنه  بالمستخدم الذي يشتغل في مؤسسة عمومية أو شبه عمومية. وبالتالي فمن هو المؤاجر في هذا الباب هل المقاولة أم الشركة أم وزارة الثقافة ؟ لنعمق الرؤية  ونمارس الشفافية؛  ونسأل أنفسنا هل الأجير/ الفنان  هل هو ضمن أجـراء عاديين (الذي يستخدم لمدة معينة أو لعمل مؤقت أو عارض) أومن الأجَـراء الموسميون( الذي لا حق له تجاه الدولة، بعد انتهاء الفترة الموسمية التي استخدموا من أجلها، سوى التقديمات التي يستفيدون منها وفاقا لأحكام قانون الضمان الاجتماعي) ؟

فمادام الكل يتهافت على الدعم المسرحي والسينمائي ؛ فالفنان المغربي (أجير موسمي) باعتبار الدعم ( موسمي) فمن سيحمي الفنان من عوائد الزمان ؟ وإن كانت هنالك لخبطة في المفاهيم ومقتضيات مدونة العمل/ الشغل ؛ إذ هناك أكثر من ( عشرين مادة )تتعلق بحماية الأجير/ الفنان فمن سيحميه من الأخطار والأمراض المهنية كمثال ( الإضاءة ) وهَـذا الأمر لا يعْـرفه جيدا إلا من عانق الركح سنوات؛ بأنها تؤثر على بنية الجـسم ( هُـزال داخلي) وعلى الذهن والعينين ونسوق ما تقوله المادة 24 من مدونة العمل: يجب على المُـشَّغِل بصفة عامة ؛ أن يتخذ جميع التدابير اللازمة لحماية سلامة الأجراء وصحتهم وكرامتهم لدى قيامهم بالأشغال التي ينجزونها تحت إمرته. وأن يسهر على مراعاة حسن السلوك و الأخلاق الحميدة ؛ وعلى استتباب الآداب العامة داخل المقاولة ...لكن المادة 39 و40 تحدد علانية عن الأفعال والأخطاء الجسيمة التي هي منافية للأخلاق الحميدة (؟؟) إذ ما نريد قـوله أن الفنان المغربي يتخبط خارج المنظومات القانونية ومساطرها وبالتالي هل الفنان دخوله تندرج ضمن الوعاء الضريبي الذي  له علاقة بالأرباح التجارية؛ سواء أكانت أجورا أودخولا في حكمها. وحسب مقتضى الظهير الشريف المنظم للضريبة المهنية يشير [المادة الأولى]: يخضع لضريبة المهنة (الباتانتا) كل شخص أو شركة من جنسية مغربية أو أجنبية تزاول بالمغرب مهنة أو صناعة أو تجارة غير داخلة في المستثنيات المحددة بمقتضى الظهير الشريف(11) كل هاته الحيثيات القانونية بعيدة وبعيد عنها الفنان المغربي؛ لأن قضية ( الدعْـم)  ليست دخلا ولا يحتسب في الدخول التي في حكمها؛ لأنه بمثابة إعانة ومساعدة للنهوض بالحركة المسرحية  ليس إلا. بحيث في اليوم الوطني ( 14مايو) الذي يعتبر يوم إنزال للرسالة السامية للمناظرة الوطنية الأولى حول المسرح الاحترافي. وعلى ضوئها تحركت النوايا للاستفادة من مسألة ( 1 في المئة) التي حولتها وزارة الثقافة إلى عملية الدعم الذي: أعتبره الضربة القاضية التي وجهت للجودة والإبداع الحقيقيين، اللذان اعتمدا في السابق كمعيار لشراء العروض المسرحية وترويجها من طرف وزارة الثقافة ومسرح محمد الخامس ..إذ كرس الدعم بشكله الحالي مبدأ المحسوبية و الزبونية، وذلك بتخويله لعدد من الفرق لم يكن لها وجود في السابق، وإنما نبتت كالفطر بقدرة قادر(12) فتم ردم وهدم مسرح الهواة ؛ وانزلق الجميع إلى ( الاحتراف) الذي لازال يتخبط في عوالم عشوائية وغياب ترسانات قانونية تحمي ( المحترف) المهني ؛ حفاظا على حقوقه المهنية والاجتماعية : كالتقاعد/ التعويض عن العجز والمرض/ الضمان الإجتماعي/ هنا فما دور النقابة التي تشرذمت لنقابات ؛ وأنتجت صراعا من نوع آخـر منه  العـزوف عن حضور عُـروض من ينتسب لنقابة غير نقابته؛ استفحال ظاهرة الوشايات والنميمة التي غـزت مدرجات المقاهي والحانات ... فرغم تعدد النقابات المهنية/ الفنية  فلماذا لا يفكرون في خلق آلية لتنسيق العملي فيما بينهم ؛ رغم اختلاف وجهات النظر وليس المواقف ( حتى لا نغالط أنفسنا ) بحيث الهدف الأسمى ربط جسور التواصل لدعم جهود كل منظمة ومقترحاتها العملية تجاه النهوض بالممارسة الإبداعية والفنية نحو أفق أفضل؛ وتفعيل الترسانة القانونية وتطويرها لصالح الممارسة المسرحية والفنية والثقافية بدل الانفصال والمواربات فيما بينهم؛ وبالتالي  ماذا قدمت النقابات في اليوم الوطني للمسرح ؛ تجاه المسرح من جلسات وتنظيم موائد محلية وجهوية لمناقشة جادة وعميقة ، للوصول إلى كـُنه حقيقة هذا الوضع المسرحي الكارثي؛ ما طبيعة النقاشات البناءة التي ستخدم الفن عموما ؟ ها هي القوانين والمساطر؛ التي يمكن تفعيلها وكيف ؟.؟ وأسوق مثالا من فاس كجواب مكشوف( المدينة  نائمة/ هادئة ليلا بطعم صباحية رمضان الذي ربما أثر فيها؛ لا عرض مسرحي ولآ نشاط ولا لقاء بين الجمعيات أو أفراد النقابات لتدارس ما يمكن تدارسه) ؟  وفي هاته الأجواء التي لا تخدم الفن والإبداع كمظهر اقتصادي؛ حسب مجريات مظاهر العولمة ؛ لا مناص أن يطرح المسرحيون سؤالا عريضا ماذا نريد من النقابة المسرحية وماذا تريد هي  من المسرح ؟ لأن في اليوم الوطني لهاته السنة أفرز انفجارا غير مسبوق بالحدة التي تمت الآن تجاه الدعم في قضية ( الإنتاج / التوطين) إذ الكل يستنكر ويشجب ويوقع عرائض؛  فتلك الاحتجاجات فلما ذا لا تؤطرها النقابات لإحتضانها وتفعيلها كملف ضد الوزارة بدل تصريحات الفيدرالية  (؟)

إن النقابات الفنية وإن كانت حاضرة فهي اليوم غائبة أو مغيبة ! لا تمارس وظيفتها الحقيقية ، فإن كانت عكس ذلك فلماذا الانشقاقات حتى في مشاهدة العروض المسرحية ؛ ولماذا لا ترفع دعاوي ضد الحيف الذي وقع للجمعيات المسرحية حَـسب بياناتها وتصريحاتها . لأن القانون يبيح للنقابات حـسب الظهير في الفصل الثاني من مرسوم 5 فبراير 1958 أنه : « يمكن للنقابات أن ترافع لدى أية محكمة» لأنها أولا تتمتع « بالشخصية المدنية » كما تنص على ذلك إحدى فقرات ظهير 16 يوليوز 1951 فيجوز لها أن تمارس جميع الحقوق المحفوظة للمطالب بالحق المدني بشأن كل واقعة أو فعل يحلق ضررا مباشرا أو غير مباشر بالمصلحة الجماعية أو الفردية للمهنة التي تمثلها.

وثانيا : يجوز للنقابة ككل شخص معنوي أن تتقاضى لدى المحاكم للدفاع عن حقوقها وخاصة المادة 15 من ظهير 17 أبريل 1957 المتعلق بالاتفاقيات الجماعية تقول فيه: « النقابات والتجمعات المؤهلة للتقاضي، والمرتبطة باتفاقية شغل بإمكانها أن ترفع باسمها الخاص دعوى المطالبة بتعويض عن الضرر … » هل ستستطيع أمام انسداد أبواب الحوار وعدم التوصل إلى تسويات ملائمة للخلافات حول قضية ( الدعم) ؟ ما أعتقــد لأن الفنان يحكمه القانون الخاص ومساطره ومقتضياته . والوزارة يحكمها القانون العام ومساطر قانون الوظيفة العمومية . و حـسب مدونة الشغل فوزارة الثقافة لا تعـَد مُشغـِلا ( للفنان)  بل مساهمة في عملية النهوض بالمسرحي المغربي  من خلال الدعم المسرحي والسينمائي وغيرهما؛ هذا ما يجب أن نفـهمه. مقابل هذا مـا يستعَـصى عن الفهم فإن وزارة الثقافة والاتصال تضع نفسها موضع المُشـَّغل والمٌشـَّغـل: مادامت ستشرع في تنزيل مقتضيات قانون الفنان وتوفير الحماية الاجتماعية للفنانين. وتمكينهم من الاستفادة من مجموعة من الخدمات وخاصة الفنانين الحاملين البطاقة المهنية ؟؟؟