فن وإعلام

بلاغة السخرية في ديوان "ضحكت القصيدة" للزجال بوعزة الصنعاوي

نورالدين بوصباع

في توطئة لأدب السخرية أستعير قولة لشارلي شابلن يقول فيها "حين ينهمر عليك عالم الخيبات تنتقل إما إلى الفلسفة أو السخرية" هذا القول نلمسه بجلاء ونحن نروم تفكيك بنية ما يسمى أدب السخرية، فالإحساس بسطوة الخيبات والعدمية وفقدان الأمل في حصول التغيير كثيرا ما يفرز ردة فعل فلسفي أو موقف ساخر اتجاه واقع قهري لا يريد أن يتغير وحيال قناعات زائفة لا تريد أن تتبدل.

ولهذا و في ضوء هذا العبث و التشظي وبعد استنفاذ كل السبل من نقد واحتجاج وعصيان تطل السخرية برأسها لتعيد تأثيث فوضى هذا العالم ولتضعه في مواجهة حقيقته الغائبة بشكل تغلب فيه النكتة والمفارقات والتهكم والتشكيل الكاريكاتوري للأشياء، ولاشك ونحن نتحدث عن أدب السخرية أن نشير في هذا الصدد إلى تجربة رائدة للزجال الساخر بوعزة الصنعاوي والتي تضمنها ديوانه"ضحكت القصيدة".

والزجال بوعزة الصنعاوي حسب متابعتي واهتماماتي بالساحة الزجلية هو احد الرواد الكبار والمؤسسين الأوائل لهذه الحركية الزجلية الرائجة اليوم وهو في نفس الوقت الصوت المتفرد الذي استطاع أن يخلق لنفسه أسلوبا خاصا في الساحة الزجلية وأن يثبت جدارته فيه وهو أسلوب السخرية، في قراءة ديوانه " ضحكت القصيدة"  تطالعنا كثير من الصور الساخرة والتي توزعت بين صور تسخر من الواقع وصور تسخر من الكينونة الإنسانية وأخرى تسخر من القدر الوجودي.

يقول الزجال بوعزة الصنعاوي ساخرا من فداحة الواقع الذي نعيشه بالتقسيط حيث الكل ينتظر في طابور الخلاص ولكن لاشيء يتحقق سوى مزيد من البؤس والانتظارية القاتلة :

واحنا جوج جوج

علمونا انشدوا الصف

الشتا ساحية

والرعد يقصف

الثلج طاح

الثلج ذاب

العين ولدت دمعة

والقلب رارا بعذاب

عذاب الولد..عذاب البنت

عذاب ذاك الجالس ف القنت...(3)

وفي تشبيه ذكي ولكن بشكل مفارق مبطن يعقد الزجال مقارنة بين الواقع الذي نحياه بالتقسيط وبين مقبرة النصارى حيث للموت هيبته وكرامته، يقول الزجال بوعزة الصنعاوي:

كانت انقى من الدوار

قول امفنة..قول خوار

القبور امستفة..

ومزوقة بالنوار.

وشواهد الرخام عريضة

مكتوبة بحروف غليظة

وكل قبر تقول يا محلاه

حيث بنمرتو وسميت مولاه(14)

الملاحظ هنا أن الدوار هنا هو إحالة رمزية للوطن البائس الذي لا يساوي مقدار مقبرة من حيث إنسانية الإنسان بين حدي الحياة والموت.

وإذا ما انتقلنا إلى الصور الساخرة إزاء الكينونة الإنسانية ومأساويتها تطالعنا قصيدته papier gieni على واقع قاتم عنوانه البؤس والفاقة  حيث عالم القمامة هو البؤرة التي تؤسس للمفارقات الوجودية فبين الهبش في الزبالة وتوقع الحصول على أشياء مفيدة تقع اليد على أشياء لا فائدة من وراءها وفي خضم هذا الواقع يصبح حلم الحصول على كاغيط المسيح أهم شيء يتمنى بلوغه يقول الزجال:

ومرة نلقى

papier gieni

انشمو...النعاس يجيني

ونحلم

ونخاف م الحلمة اطيح.

ونحلم

وفالحلمة نسيح نسيح.

ونحلم

حتى احنا عندنا طواليط

وحتى احنا

شاريين كاغط للمسيح.(33)

و بتصوير ساخر تطبعه الحسرة بين حياة أمم تنعم ببحبوحة العيش بعدما وفرت كل مستلزمات العيش الكريم لشعوبها يظل حلم الزجال هو متى يتحقق حلم هذه الأمة في دورة مياه يقول الزجال بوعزة الصنعاوي:

وغير نحطها نقول علاش

هما يتبرعو ف الرطوبية

واحنا قاعنا يتنجر

وعلاش هما يشريو الكاغط

واحنا أمة..

مكتوب عليها لحجر؟(35)

في حديثنا عن السخرية لابد من الإشارة إلى أن هناك تقاطعا بين المأساة والسخرية وهذا الطابع المأساوي هو التيمة الانطولوجية الأكثر حضورا في كتابة الزجل الساخر ففي ظل اختلال الموازين و غياب الحقيقة بل وتغييبها وطمسها وايضا في ظل استنفاذ كل سبل الإصلاح و انعدام الأفق نتيجة استئساد الإنسان وتغوله وكذلك تفاهة الأخلاق البورجوازية العفنة التي تصور الأمور مقلوبة أو مفبركة تصبح السخرية التعبير الأكثر نباهة والأكثر وعيا في كشف العطب الوجودي الذي يشيؤ الإنسان ويجعله مجرد إحصائية، يقول الزجال:

البارح تحرمنا م العقل..

الجهل اتقدس

والنور ف لواحنا قل.

اسكت انا..

وحتى قريتي سقل.

ما جبنا قاعة..

ما ادينا ف القاعة قل.(78)

هذه بعض المضامين القليلة التي يحبل بها ديوان الزجال الساخر بوعزة الصنعاوي" ضحكت القصيدة" حاولت أن أثيرها من خلال هذه القراءة المتواضعة متمنيا أن تسمح الظروف للتوسع في دراسة الديوان لاحقا واضعا صب عيني خصوصية لغة السخرية ومقاماتها وحدودها الجمالية والبلاغية والتداولية...