فن وإعلام

عبد الله العمراني.. اتُّهِم بالجمال عشقا، سلوكا ومعاملة

خالد الخضري*

1 - مسيرة إبداعية متنوعة.. وحضور فني متميز

غادرنا إلى دار لبقاء الثلاثاء الماضي 14 ماي 2019، الفنان الممثل مولاي عبد الله العمراني الذي يعتبر من الرواد المغاربة الأوائل والكبار في فن التشخيص في سائر القنوات: إذاعة – مسرح – سينما وتلفزيون لامتلاكه أولا لصوت جهوري صافي النبرات سليم مخارج الحروف.. وثانيا لتمتعه بطاقة هائلة معبرة كوجه سينمائي وتلفزيوني حقيقي Un Vrai Photogénique.. الشيء الذي حدا بعدد من كبار المخرجين العالميين إلى إسناد أدوار قيمة له في أفلامهم ومسلسلاتهم مثل: "لورانس العرب" (1962) للمخرج الأمريكي دافيد لين..  وتقمصه لشخصية "عكرمة بن جهل" في فيلم (الرسالة) (1976) لمصطفى العقاد.. و”يسوع الناصري” (1977) لفرانكو زيفيريللي.. و”عودة الفرس الأسود” (1982) لروبير دالفا.. و”ريح توسان” (1989) لجيل بيهات.. و”مريم الناصرية” (1995) لجان دولانوا... كما شارك في مجموعة من الأعمال التلفزيونية العربية والأجنبية، من ضمنها مسلسل “مواكب النصر” للمخرج المصري أحمد خيضر.. ومسلسل “صقر قريش” للمخرج السوري.. حاتم علي وسلسلة “مصر القديمة” لطوني ميتشيل...

   أسند إليه عدة مخرجين مغاربة في المسرح والسينما أدوارا متميزة من أشهرها شخصية "أبي حيان التوحيدي" في المسرحية الحاملة لذات العنوان للمرحوم الطيب الصديقي.. وفي السينما نذكر على سبيل المثال: (السراب) لأحمد البوعناني – (الزفت) للطيب الصديقي – (عبروا في صمت) لحكيم نوري – (مكتوب) لنبيل عيوش – (شمس الربيع) للطيف لحلو – (مجرد حدث عادي) و(نساء ونساء) لسعد الشرايبي – (ليلة القتل) لنبيل لحلو - و(طيف نزار) لكمال كمال.. هذا الفيلم الذي شارك به في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي سنة إنتاجه 2002 حيث التقيت مولاي عبد الله و"صدفة" فوق كوبري / جسر قصر النيل يتأمل جريان ماء النهر العظيم.. فقضينا زهاء 10 أيام لا نفترق كان فيها نعم الرفيق والونيس. ورغم أن الفيلم لم ينل أية جائزة إلا أن المصريين تواصلوا معه بشكل سلس لكونه ناطق برمته باللغة العربية أولا.. ثم لكون بطله أحمد الصبار الذي تقمص شخصيته الفنان مولاي عبد الله، كان ممتعا وغاية في الإلقاء والتعبير. كما مثل في عدد كبير من الأفلام القصيرة منها فيلم ذي إنتاج مغربي روماني مشترك بعنوان: " ذراعا أفروديت " (1978) من إخراج الروماني دراغان و"سفر في الماضي" (1996) لأحمد بولان...         ومن أحدث الأفلام المغربية القصيرة التي أدى فيها الفنان مولاي عبد الله العمراني دور البطولة بإبداع مستحق، فيلم: (عودة الملك لير) لهشام الوالي محصلا به على جائزة أفضل ممثل في الدورة الأولى لمهرجان جامعة ابن طفيل بالقنيطرة (27 أبريل / 1 ماي 2019)

2 – في (ليالي الأندلس) لم ينبس بحرف واحد، فقال كل شيء!

كما إن هناك فيلما مغربيا قصيرا قديما يجمع بين الوثائقي والروائي أنتج سنة 1963، من إخراج العربي بناني تحت عنوان: (ليالي الأندلس) أسند فيه دور البطولة الكاملة للفنان مولاي عبد الله فأبدع وأمتع وقال كثيرا من الأشياء.. بل كل شيء ممكن قوله في هذا الفيلم دون أن ينطق بحرف واحد!!

(ليالي الأندلس) هو أول فيلم سينمائي يظهر فيه مولاي عبد الله بغير حوار ناطق قبل أن تكتشف فيه السينما كما المسرح والإذاعة فالتلفزيون، صوتا دافئا ذا نبرات عربية مدوزنة على مقام الفصاحة والتبليغ المقنع.. كما إنه أول فيلم مغربي قصير يصور ويعرض بالألوان الطبيعية وبطريقة "السكوب". إضافة إلى هذا التميز الفني والأداء الحرفي المتمكن للفنان مولاي عبد الله العمراني، فهو إنسان جد متخلق، خجول ومتواضع.. للشهادة: حل ذات مرة بدعوة مني لمهرجان "الأيام السينمائية بالجديدة" فحضر حفل الافتتاح وقضى الليل معنا ثم غادر صبيحة اليوم التالي الفندق دون أن يخبر أحدا؟ فلما هاتفته سائلا عن السبب وهل قصرت في حقه بشيء؟ أجاب:

-  "أبدا.. أشكرك على الدعوة سيدي خالد – وكان ينادي جميع الناس ب "سيدي" تأدبا واحتراما وأضاف: –  أنا فقط مشغول بعدد من الالتزامات ولم أرض أن أرد دعوتك التي لبيتها بحب وانصرفت".

 أي رجل وفنان هو مولاي عبد الله العمراني!! تحفة كان رحمه الله وقدوة في كريم الخُلق ونبل المعاشرة.. وكان قبل وبعد كل شيء رجلا عاشقا للجمال حتى الثمالة.. ولا غرو في ذلك فهو عينه كان وسيستمر رجلا جميلا.

من عناوين مجمل أعماله الفنية مسرحا، سينما وتلفزيون، سبق أن صغت ونشرت عنه حكاية طريفة، أرى من الأنسب إعادة نشرها تكريما لروح هذا الرجل الوديع والفنان الخلاق تحت عنوان:

 3 - ارتكاب أصعب وألذِّ الأدوار مع سبق الإبداع والترقّب

 ((بما أن الجمال دائما مدان ومحفوف بأشواك وأزهار الإعجاب على حد سواء، فقد تمت إدانة الممثل عبد الله العمراني بعدة تهم على رأسها ارتكابه لأفلام ومسرحيات ومسلسلات... إلى أن طالته حالة العَوْد كظرف تشديد أصبح معها متعودا على ارتكاب أصعب وألذِّ الأدوار.

من بين التهم التي وجهت إليه على الشاشة العريضة بفعل وشاية من (طيف نزار) هي القتل العمد مع سبق الإبداع والترقب لاقتراف عشق جديد في (ليلة القتل).. وهو براء من هذه التهمة المنسوبة إليه كما تثبت القرائن ويؤكده الشهود من صحفيين ونقاد وسينمائيين ومخرجين وممثلين اشتغلوا إلى جانبه، كما الجمهور العام المتابع والعاشق لأعماله. وإذا كانت حالة التلبس ثابتة عليه فيما يخص الجزء الثاني من التهمة ألا وهو: العشق الإبداعي والجمالي، فالضنين لم يكن بمكان الحادث تلك الليلة، بل أخذ حينها (بذراعي أفروديت) ودعاها لرقصة تاريخية في ليلة من (ليالي الأندلس) الرائعة.. وعند منتصف الليل ودعها وامتطى صهوة (فرسه الأسود) ثم رحل في (سفر إلى الماضي) للقاء (أصدقاء الأمس) وهناك صادف رجالا ورجالا، ثم (نساء ونساء) مستعدين كلهم للشهادة لصالحه.

كانت (دليلة) أول من تقدم للسلام على الفارس العمراني، وقبل أن يسألها عن (شمسون)، بدا له هذا قادما يسند (المصري القديم).. وخلفهما ترجل فارس مدجج ونزل للتحية والسلام، إنه (لورانس العرب) الذي انحنى وتسلم (الرسالة) من (عكرمة بن جهل) رغم كفره بأمر من الفارس العمراني.. تلك كانت رسالة الإسلام والتسامح ليسلمها بدوره إلى (يسوع الناصري) وأمه (مريم) وإلى (داوود) داعيا إياهم جميعا إلى السلم والتآخي وإلى نبذ العنف والتطرف.

قبل أن يبزغ الفجر، وخز الفارس العمراني أدهمه وقصد البحر شاهرا سيف الإبداع جاعلا من الإخلاص لفنه غمدا، ومن العشق صهوة، فهو (رجل البحر) والبر على السواء لا يغريه (سراب) النجومية ولا يبهره (زفت) المادة ولو كان الممثل (الوحيد في العالم) هو الفاتح المغوار (صقر قريش) و (أمير وارزازات) المسافر على الدوام زاده الخيال والإبداع.. ف (مكتوب) عليه أن يحمل (الرسالة) تلو الأخرى.. هو الفنان.. الوديع.. الخلوق.. علّمه (أبو حيان التوحيدي) كيف يدير كأس "الإمتاع والمؤانسة" وكيف يبدع و(يعبر في صمت) بنفس القوة والإقناع اللذين يعبر بهما بالصوت ولو عن (مجرد حدث عادي).. هو الذي لم ينبس بحرف واحد في (لياليه الأندلسية) فقال كل شيء! هو الذي احتمى به لطيف لحلو من (شمس الربيع) فحضر فقط بصوته وصار بطلا.. الفارس العمراني رجل (صبّار) مؤدب.. خجول.. لا يتدخل في شؤون الغير ولا يسأل عن (أفغانستان لماذا) لمَ لمْ يكتمل أو لم يظهر؟ ولا لماذا لم يتم القضاء على (مدن الصفيح)؟ همه الأول أن يبدع.. وثانيا أن يمتع.. وثالثا أن يثبت براءته مما نسب إليه ظلما في (قضية أحمد الصبّار) الذي أفرج عنه (طيف نزار) فحُكم له بالبراءة على مقعد الإبداع ليتحرر فتحل (النهاية السعيدة).. هو الذي يعرف أنه لا يصح إلا الصحيح وأن (الزواق يطير).. ولو كان (للملك لير).

*ناقد وسيناريست، رئيس جمعية كتاب السيناريو المغاربة