قضايا

الحق في المرض..

عبد العزيز المنيعي

امام ما يتم تجاذبه بخصوص المصحات الخاصة، التي أصدرت بلاغا أو ما يشبه البلاغ، ووصفت أعمالها بالجبارة، وانها "تضحي" بالغالي و النفيس من اجل صحة المواطن... وامام الردود الاخرى التي سبقت و التي لحقت و التي ستأتي، وامام وضعية القطاع الصحي بشكل عام وتردي خدماته دون شك... امام كل هذا نسترجع صورا من يوميات سيدة عادية كأي سيدة عابرة لقارات المرض و الالم و العجز و عدم القدرة... حالة من بين حالات..

للتأمل فقط... قراءة يومية لكتاب المحن:

سيدة تجاوزت عقدها الخامس، تعمل صباح مساء في مرحاض بالدار البيضاء. انهكها المرض و هي التي كانت تعيش النبض اليومي بطوله و عرضه و تكافح من اجل ابنائها بكل ما امتلكت من قوة. كانت توفر المساعدة و المساندة لزوجها بل اجتهدت في ذلك "حتى جابتها فراسها" . لم تعرف يوما عطلة أو راحة طيلة سنواتها الثلاثين كزوجة و أم.

تسلل إليها المرض عبر صدرها، أصيبت بالربو و هذا الأخير كان كريما معها جدا ، حتى أنه جر خلفه امراضا أخرى... جرت سنواتها في تعب مستمر تنام لتصحو فقط، او تصحو لتواصل لا أقل و لا أكثر. اصابها الهرم، عظامها إهترأت إن صح التعبير، انفاسها ضاقت، ظهرها صار مثل قوس قزح دون الوان.

عندما إستفاقت من غيبوبة الخبز، إلتفتت فكان لزاما عليها أن تطل على الطبيب. بين تحليلة و فحص و راديو و فحص بالأشعة و عملية تراكمت النوائب و المصاريف. المرحاض جنة اليومي الذي كان يجود عليها بمدخول يقويها على مواجهة قساوة الحياة صار في خبر كان لأنها ما عادت قادرة عليه...

قالت: ليتني لم أمرض... كما لو كان الامر اختياريا، هو الإضطرار و لزوم ما يجب أن يلزم، المرض نتيجة حياة غير متوازنة و نتيجة إهمال إضطراري. اليوم لا تجد ثمن الدواء تستجدي الزمن كي يمنحها كوة أمل في الخروج من نفق المرض المظلم.

هل بإمكان هذه السيدة أن تطالب بالحق في المرض على غرار الحق في الولوج إلى المعلومة، و الحق في الشغل و الحق في التعبير و الحق في "كولشي"...؟

بكل تأكيد، فقبل المطالبة بالحق في العلاج علينا أن نطالب بالحق في المرض، و أن تكون مستشفياتنا و مصحاتنا مستعدة لاستقبالنا عندما تبدأ الأعطاب بالتوالي، مثل نواقص الزمن على جسدنا المنهك.  فعندما تجد سيدة تفترش الصبر طيلة سنوات عمرها اليانعة، و لا تتمكن من سد رمق المرض الجائع عندما تسقط من برج الجلد. فالظن كله أن المواطنون الاخرون سيعزفون عن المرض إن استطاعوا ذلك أو ربما سيؤجلون ذلك إلى حين. 

الحقيقة أن ما نسجله من يوميات و مشاهدات في معيشنا و في العديد من المستشفيات و الادارات المغربية، تجد أن حجم  الفضاضة شديد لا يطاق في كثير من الأحيان، حتى أن الداخل إلى بعض المستشفيات يعتبر في عداد المفقودين و الخارج منها ليس مولودا بل عائدا إليها بكل تأكيد و ليس لمرة واحدة بل لمرات عدة.

متى سنفهم أن المرض أقصى درجات الإنهيار الجسدي و النفسي و ما يستلزمه من عناية تتجاوز فحصا بسماعة أو فتح فم..؟