قضايا

القفة والفرجة أو تحالف قوى "البواسير" و"الفقصة"

عبد العزيز المنيعي

الإنسان بطبعه ميال إلى أن ينسى همومه، ويحاول الخروج من "فقصته" بما تيسر من مسكنات معنوية، مثل الفرجة أو الإستماع، فمسلسل قادر على أن يمتص تلك الشحنات السلبية من "الغدايد"، كما أن أغنية جميلة و طروبة قادرة على تنقية السمع من طبول حرب الزنقة ومستلزماتها.

لكن "حصلة" المغربي "حصلة" متميزة لا تضاهيها أي "حصلة" في العالم، فهو امام بحر الغلاء لا قارب امامه سوى مجداف وعجلة، وخلفه القفار المقفرة من إنتاجات رمضان "الكوميدية" والدرامية وحتى التسلية دخلت في باب التهافت على الإبتذال.

المواطن المغربي ليس له إلا أرض قنوات العالم الواسعة و الرحبة والتي تعرف انها توجه منتوجها لإنسان و ليس لمجرد "همزة" موسمية يجب أخد اكبر نصيب منها.

هنا المواطن المغربي يجد نفسه، امام حفر سحيقة، الأسعار و بكاء البصل الذي ادمى العين و الجيب معا، والفرجة المتلفزة التي تتحول إلى محنة باع معها مواطنون أجهزة تلفازهم نكاية في ما يقدم على الأولى و الثانية و حتى العاشرة..

اولا كي نكون موضوعيين فعلينا أن نفهم، أن  مصطلح الأسعار و السعار و التسعيرة و المسعور، كلها مشتقة من فعل الغدر و الضرب من تحت الحزام. لذلك لا يجب أن نندهش من هذه العلاقة الوطيدة بين أسعار المواد الإستهلاكية و سعار الهلاك اليومي للذخيرة المغربية من صبر و إنتظار و ترقب و حوقلة. لا مكان هنا للدهشة مطلقا فالترابط الوطيد بين هذه و تلك... هو ترابط بين الممكن و اللاممكن، بين المباح و المحرم لا فواصل بينهما، كما تريدها تأتيك تباعا مثل "كاصرونة" ساخنة دون يد لا تستطيع حملها . تظل فوق النار إلى أن تغلي و ينشف ماؤها و تبرد على "خاطرها".

اما في باب ما جاء في رمضان من برامج على قنواتنا التي قيل و الله أعلم انها عمومية، يعني المواطن هو "لي كيصير عليها"، فتلك حكاية اخرى، نوجزها في كونها القنوات الوحيدة التي تساهم في إخراج بواسير المتفرج، وللأسف فالخروج يكون ليلا، والألم نهارا، مثل آلام الأسنان و الأضراس، لا يمكن تصور وجعها في رمضان في غياب إمكانية تناول مسكنات.

محنة اخرى قد تضاف إلى جملة محن الصائم مع الحر و العطش و الجوع و قلة النوم. محنة البواسر الناتجة عن عسر شديد في الهضم، فلا يمكن تجاهل أن "البواسر" خروجهم أو دخولهم حسب طبيعة المريض و نوعية بواسيره ، من مسبباتها الضغط و الأعصاب و "الفقصة". مثلا أن تكون من المواظبين على إحدى قنواتنا قبل و بعد الفطور ، فبمجرد أولى مشاهد سيتكوم قيل انه كوميدي،  تجد نفسك قد أصبت بإسهال غريب، يدخلك مباشرة إلى المرحاض دون تردد، و طبعا مع أولى مشاهد الكاميرا الخفية التي لا هي خفية و لا هم يحزنون، تجد معدتك و قد أصابها ما أصابها من مغص جراء عسر الهضم، لتترك التقيؤ لمشاهد الإشهار وقصفه القوي الذي استقوى بالصيام علينا، و التي تحرك الميت من قبره و تجعله يكره الشهيوات على إختلاف انواعها.

طبعا تعود المعدة إلى نصابها لكن بعد فوات الاوان ، بعد أن تكون مؤخرة المشاهد المغربي قد "تكرفست" و عافت المشاهدة و ما يأتي من خلفها. حيث "البواسير" قد أخدت مرتعا لها لدى هذا المواطن البسيط الذي كان ينوي الصيام على إيقاع مغربي، لكن قنواتنا جعلت من صيامه مصريا خليجيا شاميا، يشاهد مسلسل مصري واخر خليجي وثالث سوري و غيرها من الأعمال التي تستحق الإحترام لأنها تحترم المشاهد و لا تستبلده و "تأكل ماله بالباطل.."