محمد بهضوض: دردشة رمضانية (5/30)

الانسان (3/2)

الأنسنة

قبل أن تنتهي صلاحية صديقنا "الإنسان العاقل" ويتم استبداله المحتمل، يجدر بنا الاعتراف بإحدى حسناته. وهي التي تتمثل في خلقه، خلال القرون الأخيرة، تيارا هاما هو تيار: الأنسنة .

وهو تيار بدأ يتبلور تدريجيا منذ ظهور الانسان العاقل، كما ذكر. وعرفته، بهذا الشكل أو ذاك، كل الجماعات والثقافات والديانات البشرية القديمة. ما يفيد بأن مسالة الاهتمام بالإنسان، لا تخص حضارة دون أخرى.

وبغض النظر عما قاله بعضهم، مثل م.هيدغر، حول نسيان الحضارة للكائن (الانسان) مقابل اهتمامها بالأشياء والأحداث فحسب (الدازين)، فالمعروف أن هذا الكائن فرض وجوده في الكون، بغض النظر عن التفكير حوله.

هذا ما حدث في كل العصور. وتطور أكثر، خلال عصر النهضة الأوروبية، حينما اهتدى الانسان الى "أنسنة جديدة"، ما لبث أن ارتقى بها، خلال عصر التنوير، الى مقام أعلى، تجسد في قيم الحداثة (العقلانية، الحرية، العدالة...).

بذلك، أضحى الإنسان، في رأي البعض، مركز الكون (مقارنة مع العصر السابق الذي كان فيه الله هو هذا المركز)، متحررا، من كل أشكال الوصاية التي كبلته طيلة قرون، على رأي كانط في مقاله الشهير "ما الأنوار؟.

لعل في هذا التصور جانب من الصواب. اذ أن مما لا شك فيه ان هذا التحرر مكن "الانسان الجديد" من تحقيق كل اشكال التطور الحضاري، التي عرفتها المجتمعات البشرية، خلال القرنين الماضيين، بنسب متفاوتة.

لكن، أي أنسنة هذه، وأي تطور هذا؟ مادي-تقني فحسب أم رمزي (كيفي، روحي..) كذلك؟ المسألة فيها نظر، تطرح إشكالية مصير الإنسان العاقل كما ذكر، ومن خلاله إشكالية المعنى: أي مضمون، لأي حضارة نريد؟

هذا ما "اختلف حوله الفقهاء"، كما يقال، ولا نملك من جهتنا جوابا عنه.