قضايا

"فيكْ واحْدْ دّيفو" نقد مغربي مدمر!

جواد مبروكي*

كثيرا ما أسمع الناس يتحدثون عن شخص ما بشكل جيد وسرعان ما ينطق أحدهم بعبارة "ولكن فيه واحْدْ دّيفو" مثل "عاجْبو راسو" أو "مَيْتْقْبّْلْشْ الحقيقة". وكثيرا ما نسمع نفس العبارة بين أفراد العائلة والأصدقاء والأزواج "أنْتَ فيكْ بْزّافْ دْيالْ دّيِفو".

لماذا المغربي يكتفي بنقد الآخر والبحث عن كل عيوبه "دّيفو" والجهر بها رغم وجود المثل المغربي الذي يحذر من التركيز على عيوب الآخر "جّْمْلْ مَكَيْشوفْشْ حْدْبّْتو"؟

ما هي إذن أسباب هذا السلوك؟

1- غياب النقد الذاتي

للأسف، التربية المغربية لا تدرب الطفل على مُسائلة النفس والشك في الأفكار  والنقد الذاتي ولا حتى كيف يتعلم من تجاربه وتطوير مهاراته بعد تحديد أخطائه والاستحكام فيها، بل تعلمه فقط كيف يبحث عن "ديفو" الآخر.

2- عدم وجود مفهوم التعلم الدائم

تُرسخ التربية المغربي في ذهن الطفل أن الهدف الرئيسي "باشْ تْكونْ شي حاجة". وهكذا يستنتج الطفل أنه بمجرد أن يحقق بعض الإنجازات في حياته، ينتهي التعلم وتختفي عيوبه وبالتالي لا يستمر في البحث عن تعلم طرق اخرى لتطوير معرفته وقدراته. وهكذا يسمح لنفسه بانتقاد الآخرين دون أي نقد ذاتي لأنه قد أصبح "شي حاجة".

3- أسلوب الإحباط والنقد

تستعمل التربية المغربية ببراعة أداة النقد والإحباط معتمدة على المبدأ التالي "المغربي مثل الكَمونْ، كلما فركته كلما زاد عطره". وبالتالي، فإن المغربي يجهل أساليب التشجيع ولا يعرف التحكم سوى في أسلوب النقد والإحباط.

4- تكييف العالم وفق المعايير الشخصية

التربية المغربية لا ترافق الطفل لتحقيق ما يريد أن يكون. بدلاً من ذلك، فهي تريد تحويله ونحته وفقًا لما تريده أن يكون! نفسانيا من المستحيل تغيير الذات ولكن يمكننا أن نطور القدرات والمهارات! من الواضح أن كل أب لديه نظرته الخاصة وحلمه الخاص ولكن للأسف نراه يجبر الطفل على التحول إلى نسخة "الطفل المثالي" الذي صنعه بخياله. لذلك يصبح كل مغربي قاضي ويحكم على الآخر وفقًا لمعاييره الخاصة ساعيا تطبيق معاييره الموجودة في مخياله على الجميع. ولهذا نحن مجتمع نمتلك 30 مليون نوع من المعايير.

5- أسلوب المقارنة والمنافسة

تعتمد التربية المغربية على استعمال آلة المنافسة والمقارنة "شوفْ وْلْدْ عْمّْكْ شْحالْ مْجْهْدْ فْالْماطْ وْ فْلْفيزيكْ ". والرسالة التي ترسخ في ذهن الطفل من خلال هذه الملاحظة هي "شوفْ دّيفو دْيالْكْ شْحالْ نْتَ ضعيف". وفي وقت لاحق ينتج المغربي أسلوب النقد وإحباط الآخر لأنه يعيش كل لحظة في حياته معتمدا على المقارنة والمنافسة.

6- للمغربي علم يفوق معرفة الآخرين

دائما يسمع الطفل راشدا أو أحد الوالدين ينتقد بتكرار "لو كنت أنا ملك، لو كنت أنا وزيرْ أو قايد، لو كنت أنا قاضي، لو كنت أنا طبيب، لو كنت أنا رولاندو، لو كنت أنا هتلر...أفعل كذا وكذا". يستنتج الطفل من هذه العبارات أن الشخص البالغ لديه مهارات في كل شيء بدون تكوين ويتفوق على كل هذه الشخصيات. وهكذا يدرك الطفل أنه من السهل أن يلعب دور الملك أو الطيار أو القاضي وينتهي به المطاف في الانزلاق تدريجياً إلى شخص يعرف كل شيء وبالتالي يدرك أن النقد وتعداد أخطاء الآخرين أمر سهل للغاية بالنسبة له كذلك.

7- الدمار

 

التربية المغربية، سواء في المنزل أو في المدرسة، تدمر الطفل من خلال طوفان من النقد والإحباط "طْفّْروهْ سْيادْكْ باشْ غَدي طّْفّْرو نْتَ"  وبالتالي يتعلم الطفل معرفة تدمير الجميع بدون أن يتعلم بناء المجتمع الذي يتطلب شركاء يشجعون بعضهم البعض.

*دكتور، خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي