فن وإعلام

بنيوب يكتب عن الهواس... دراسة وعشرة لازالت ممتدة حتى يوم هذا الناس..

محمد أمين بنيوب

المبدع عبد المجيد الهواس...الفتى القادم من ثخوم تازة ومغاراتها... نحو تضاريس المسرح.

( وقفت عند المحطة حين وقفوا أمامي. أشهروا السلاح في جهي إذ مشيت.

ـ ماذا ستربحون من قتلي !

ـ سنربح موتك.

 ويقتلونني ويموتون، ثم حين أسير في جنازاتهم يرسلون إلي من سيعيد قتلي. وكلما تكرر المشهد زدت يقينا في الحياة. ) الليالي البيضاء.ع.الهواس .

كل تجربة إنسانية تستحق أن تروى في حكاية وحكايات الهواس في الإبداع أسفار، قطارات ورحلات. لا مرافئ تحدها و تحجبها .

هذا الفتى التازوي القادم من مدينة جذورها ممتدة في التاريخ القديم للمغرب. أحيانا قدر الولادة ينبعث من جغرافية المدينة. وتازة مدينة أسطورية مسيجة بالجبال. عمقها مغارات وآساطير. تظن أن آلهة عشتار وزيس وديونيزوس وبوسيادون هم من نحثوا جدرانها ودونوا ملاحمها ومآسيها.

لاغرابة في أن يؤسس فرقة مسرحية تدعى أفروديت. إسم أسطوري لآلهة الحب والجمال والجنس والشهوة عند اليونان وخصوبة ونصرية فينوس عند الرومان. ربما هو حب نتشوي متسم بالطمع والشهوة والتملك. أما عند العرب فلهم فيها عشق وجنون وصلب ومحن. تاريخ الحب العربي فنون وسرايا. قلاع وخبايا. سلط و مرايا. دونت في المتون والمخطوط والرقائق والمنمنمات ومرويات شهرزاد. ولازالت ترتق بإبر عاشقة و مدمية..

كانت تفاصيل الرحلة من مدينة تازة، بعلوها وسفلها. عبرها اكتشف الفتى عبد المجيد طريق المسرح...

وقع البدايات. ككل البدايات، تكون صعبة ومطوقة بالتحدي ومواجهة المجهول. منحته جوهر الألوان. مكنته سحر الأشكال. نفخت فيه كل أرواح المغارة سر حب الجمال وعشق المسرح. أليست أسطورة مغارة فريواطو بحبها الأزلي بين عاشقين، إيفري ويطو، فرا من طاعون أوديب وهاجرا من محن المدينة الموبوئة، لينحثا مسارا مماثلا لمسار المتصوفة والغارقين في العشق الأبدي.

 فعلا، المدن وفضاءاتها ومعمارها وطبائع أهاليها، ترسم أقدار الحياة ومصائر الوجود. تطوح بك في أذغالها. فإما أن تصارع منطق المدينة الدولة في قوانينها القهرية وتنتقد أسس سلطها المتحكمة أو أن تكون جلفا من أجلافها. مجرد نسخة مستنسخة من عقد ازدياد للطاعة والولاء. بالأحرى أنت ذبيحة مسلوخة لاغير.

ربما المبدع الهواس اتخذ العدة ليساجل سلط أكوان المدن وحيوات أناسها عبر محراب المسرح وطقوسه المقدسة. فكان الخطيب والخطابة والرمز والرؤية واللوحة والصورة.

وما الأعمال المسرحية التي وقعها برفقة أفروديت، إلا إبداع حي و شاهد على قيمة وأهمية الدراما كممارسة ثقافية و كبنية اجتماعية وجمالية وفكرية، لها القدرة النفاذ في أعماق النفس البشرية ومساءلة هواجسها وهواسها وانتظارات آفاق العوالم الخارجية. هنا تحضر التجربة الركحية الغنية والتي دشنت أفقا جديدا في التجربة الجديدة للمسرح المغربي مع مطلع الألفية الثالثة وكانت :

ـ قصة حديقة الحيوان :  المجتمع الصناعي الحداثي الحيواني الغابوي.

 ـ  لعب الدراري  : السلطة سيرك بهلواني بأقنعة ميكيافلية

ـ  إمرأة وحيدة :  على عتبات فصل بارد و يتيم

ـ شجر مر: حكايا زمن الرصاص والاستبداد والعنف

ـ  شتاء ريتا الطويل  :  نهاية حب مأساوية لعاشقين تائهين

 ـ  نوستالجيا   :   سراب الوجود. ذاكرة فرد متشضية في تسع ليال   

ـ  فيولونسين    :   الأمهات العازبات  في مواجهة مجتمع عاقر ومخصي .

 ـ  إمرأة وحيدة  : عالم نسائي لمواجهة العزلة والفراغ والإقصاء.  

 ـ   حدائق معلقة : الإنسان قارة صحراوية. لا قرار لها. لا آمان ولا استقرار.

 ـ   سكيزوفرينيا  :  بوح طفولة  مغربية مشردة و مغتصبة  ومقصية.

ـ   شكون أنت  : تراجديا السلطة و مرايا  الذات المهشمة .

ـ  في انتظار عطيل   : شرف الشرق و عقلانية الغرب.

هذا مقتطف مختزل لمقال لي في مصنف جماعي، بعنوان عبد المجيد الهواس..شاعر الخشبة. من إنجاز الباحث والناقد د. حسن اليوسفي..كتاب  يستحق القراءة لتجربة  طلائعية في المسرح المغربي الجديد. تجربة، رسمت هويتها بعمق مع بداية الألفية الثالثة ولازالت... محبتي الصادقة..