رأي

عبد الكريم ساورة: قصة الانتصار على الخوف

علينا أن نواجه الحياة بسخرية كبيرة، لا أن نظل نحاصر أنفسنا بالندم على ما فات، نعم الماضي موسيقى الروح، منه وإليه نعيد تحقيق توازننا عندما نشعر بأننا نسقط، بواسطته نعيد ترتيب القصة من بدايتها إلى نهايتها، أي قصة هذه التي تجعلنا نستنجد بها من أجل مواجهة المجهول، إنها قصة الخوف من الحياة.

قصة الخوف من الحياة، هذا الشعور اللئيم الذي يقض مضجعي، وأعرف أنه يقض مضجع الكثير، هل هو الضعف بكل أشكاله الذي يجعلنا نشعر بهذا الإحساس أم إن الأمر مجرد لعبة تم ترويضنا منذ البداية على استقبالها بشيء من التهويل والرعب؟

إننا نشعر طول الوقت بالخوف، الخوف من غضب الطبيعة، الخوف من فقدان الوالدين، الخوف من فقدان المال، الخوف من فقدان الصحة، الخوف من فقدان الحبيب أو الحبيبة، والخوف من... اللائحة طويلة جدا، إننا نجد أنفسنا مجبرين طواعية أوكرها على الامتثال لسلسلة من الأشياء التي نخاف منها أو نخاف عليها.

وهكذا نتعلم منذ الصغر أن نخاف من الله أكثر مما نحبه، وأن نطيع الحاكم أكثر من طاعة الوالدين، إننا نتعلم مادة الطاعة كمادة رياضية (من الرياضيات) وها هو المجتمع اللئيم، الكافر بمبادئ الإنسان الحر، يحثك صباح مساء على الطاعة العمياء، والاستجابة لشهوة الحاكمين، هل أفصل لكم جيدا طبيعة هذه الشهوة؟ أنتم تعرفون أكثر مني أدق التفاصيل، فالأمر لا يستحق، وشرح الواضحات من المفضحات كما يقول فقهاء القانون.

إن عملية الترويض لا تصلح للحيوان، بل الإنسان كذلك يخضع لهذه العملية وإن اختلفت الطرق، فالغاية وحيدة هي أن نظل نقبل بأنه علينا أن نتفادى العقابين السماوي وذلك بالخوف من غضب السماء، والأرضي وذلك عندما نتجنب إغضاب أولياء الأمر، يبقى السؤال ما الفرق إذن بيننا وبين الحيوان مع العلم أن هذا الأخير لا يعي ما يفعل بينما الإنسان يعي جيدا ما يقوم به من عمل؟

الصورة الآن واضحة جدا، فالخوف يصبح لصيقا بالإنسان، لا يفارقه كظله، ومع توالي الأيام يصبح جزءا منه، يسكنه فيصبح لا يقوى على التفكير أو التذكر أو الفعل، أو القيام بشيء ما بشكل إرادي، فالخوف يتحول إلى أداة من أدوات السيطرة على كل سلوكات وتصرفات الفرد، فعندما يريد أن يشارك في إضراب معين، يشعر بالخوف، وعندما يريد أن يحتج على وضع منحرف، يقوم بمساءلة نفسه قبل أن يسائله أحد، إنه يتحول إلى الضحية والجلاد في شخصية واحدة.

إن الفرد، أي فرد، عندما يسكنه الخوف، كيف ما كان شكل هذا الخوف، فإنه يصبح شخصا مستلبا، فاقدا للسيطرة على نفسه، ليس له أي حضور أو تأثير على محيطه، فيتحول مع مرور الأيام إلى عبء ثقيل على نفسه وعلى المجتمع. وهنا عندما نريد أن نستحضر مفهوم النموذج، في مختلف الميادين، للاسترشاد به وتقليده، فإننا سنجد صعوبة كبيرة في الاعتماد على هذا الصنف من الأشخاص لتحقيق أبسط الغايات، لسبب بسيط هو أنه يفتقد إلى عنصر فعال وحيوي في مواجهة الحياة، وهو الشجاعة. فعندما يفقد المجتمع الشجاعة لمواجهة ظروف وتكاليف الحياة بكل أنواعها، حتما سيتحول إلى مجتمع ميت، والفرد عندما يفقد الشجاعة تنتهي دورته الحياتية بصفة نهائية.

يجب أن نعترف، وبكثير من التحفظ، بأن الخوف هو غريزة في الإنسان، يولد معه ويكبر معه، وهو في بعض الأحيان يجعلنا نفكر في العواقب التي قد تكون وخيمة علينا في حال اتخاذ قرارات متسرعة وغير محسوبة، ولعل معارك الحروب وأهوالها قد تساعدنا على فهم أهمية الخوف في بعض الأحيان حتى نتمكن من تفادي الويلات والكوارث، لكن هذا الأمر وغيره من الأمثلة يجب أن نتخذه كحالات معزولة واستثنائية وليس كقاعدة، لأنه في بعض الأحيان تكون الحرب هي معادلة لا مفر منها، وهنا علينا أن نطرد الخوف من عقولنا وقلوبنا.

يبقى سؤال جوهري، هل نستطيع التخلص من الخوف؟ نعم نستطيع؛ كيف ذلك؟ عندما تتعلم كيف تضع شبرا واحدا بينك وبين الموت؛ كيف ذلك؟ عندما تتعلم كيف تصبح محبا للموت.

*كاتب وباحث