قضايا

الحماية الاجتماعية والديمقراطية وجهان لعملة واحدة

جمال المحافظ

يشهد المغرب في الآونة الأخيرة تكثيفا للخطاب حول إشكاليات الحماية الاجتماعية، على المستويات الرسمية الحكومية والبرلمانية والأكاديمية والمجتمع المدني، وبوسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، إذ يلاحظ في هذا الصدد تسابق محموم في التعاطي مع هذا الشأن الاجتماعي الذي يعد أحد الحقوق الأساسية التي تتضمنها مواثيق حقوق الإنسان.

وإذا كان من الايجابي الاهتمام بموضوع الحماية الاجتماعية والتعريف بها والتحسيس بأهميتها باعتبارها تشكل أولوية في السياسات العمومية، ليس فقط على المستوى الوطني ولكن أيضا على المستوى الدولي، فإن هذا الخطاب حول الحماية الاجتماعية يصطدم بمفارقة غريبة تتمثل في ارتفاع مستويات الهشاشة والفقر في المدن والبوادي، التي يزيد من تفاقم صورها وتعميق فداحتها ما تعممه وسائل الإعلام وتنشره وسائط التواصل الاجتماعي على نطاق واسع.

فمنذ بداية الاستقلال، بادرت الحركة الوطنية من خلال أذرعها الجمعوية من منظمات الخدمات الاجتماعية، من قبيل محاربة الأمية وبرامج والأوراش التطوعية والتوعية والرعاية الصحية وتربية الشباب والطفولة، إلى المطالبة بإيلاء الاهتمام بالمجال الاجتماعي، إذ عوض الانكباب على ذلك، تفاقمت الوضعية الاقتصادية والاجتماعية بشكل أكبر في الثمانينات من القرن الماضي، وذلك جراء السياسات المتبعة، خاصة بعد اعتماد سياسة وبرامج التقويم الهيكلي، تنفيذا لتوجيهات المؤسسات المالية الدولية التي كانت نتائجها كارثية، خاصة على الطبقات الشعبية وعلى الاقتصاد الوطني، وكادت أن تعصف باستقرار وأمن البلاد، وهددت السلم الاجتماعي.

فنتائج هذه المخططات التي همشت القطاعات الاجتماعية الاساسية كادت أيضا أن تؤدي في بداية التسعينات من القرن الماضي إلى ما أسماها الراحل الحسن الثاني "السكتة القلبية"، التي عجلت سنة 1998 باستدعاء المعارضة للمشاركة في الحكومة المنبثقة عن "التناوب التوافقي".

ليس الغرض هنا التذكير أو استرجاع مجريات هذه المرحلة من التاريخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي للبلاد، ولكن التركيز على تداعيات المرحلة الراهنة، إذ إن كافة القوى الحية والفاعلين بمستوياتهم ومواقعهم المختلفة يرسمون صورة قاتمة على واقع منظومة الحماية الاجتماعية رغم المجهودات المبذولة هنا أو هناك.

فمختلف المعطيات الرسمية المحلية والتقارير الدولية تسجل في هذا الصدد ضعف وهشاشة الوضعية الاجتماعية، فضلا عن الاختلالات البنيوية لأنظمة الحماية الاجتماعية وضعف الحكامة، وهو ما يضفي على هذا الورش طابع الاستعجال والأولوية، فنحو 60 في المائة من السكان النشيطين يوجدون دون حماية اجتماعية.

وتتسم منظومة الحماية الاجتماعية بمجموعة من السلبيات، منها الهشاشة والطابع الجزئي والمحدودة، وعدم الإنصاف؛ فأيضا هناك نحو 60 بالمئة من الساكنة النشيطة غير مشمولة بنظام لمنح معاشات التقاعد، و800 ألف أجير في القطاع الخاص غير مصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، و50 في المائة يشتغلون في القطاع الفلاحي وغيره من الأنشطة غير المستقرة، و46 بالمائة لا يستفيدون من التغطية الصحية، فضلا عن أن الغالبية الساحقة للنشيطين لا تستفيد من التأمين الاجتماعي الخاص بحوادث الشغل والأمراض المهنية، وهي الاحصائيات والمعطيات التي كشف عنها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقريره الأخير حول حصيلة الحماية الاجتماعية في وسبل تعزيز أنظمة الضمان والمساعدة الاجتماعية.

كما أن هناك انعداما لنظام الحماية الاجتماعية الخاص بالأطفال والأشخاص في وضعية بطالة والأشخاص ذوي الإعاقة، علاوة على أن الأنظمة الإجبارية للضمان الاجتماعي تتسم بطابعها المحدود وغير المتكافئ، وأنظمة التقاعد تغطي حاليا حوالي 40 في المائة من السكان النشيطين المشتغلين، فيما يغطي نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض النسبة نفسها تقريبا، حيث يبلغ عدد الأشخاص المشمولين به حوالي 5,8 ملايين شخص.

وبهدف التقليص من هشاشة الحماية الاجتماعية، يطالب الفاعلون الحقوقيون بملاءمة السياسات العمومية المتعلقة بهذه الحماية مع المعايير الدولية، منها ضرورة شمولية الحماية الاجتماعية وتوسيع نطاقها، وملاءمة الإعانات، وعدم التمييز والمساواة بين الجنسين، ودمج الأشخاص العاملين في الاقتصاد غير المهيكل، والإنجاز المتدرج، والابتكار في آليات التمويل.

وفى ظل هكذا وضع، وفي انتظار ترجمة ما تعهدت به الحكومة بإصلاح منظومة الحماية الاجتماعية، عبر بلورة منظومة أكثر فعالية مندمجة ومنسجمة وتتسم بالنجاعة والفعالية، على عكس توقعات وزير الشغل والادماج المهني بأن هناك "خطرا عظيما" يتهدد صناديق الحماية الاجتماعية بالمغرب، في الوقت الذي تتطلب مهامه الحكومية أن يقدم الحلول لتفادي هذا "الخطر الداهم" وبذل الجهود لإقناع المركزيات النقابية بالجلوس إلى طاولة الحوار الاجتماعي، وحماية المكتسبات الاجتماعية عوض تصفيتها وصيانة نظام التعاضد وضمان حكامته عوض الإجهاز عليه.

فالجميع إذن مطالب بتحمل مسؤولياته بالانكباب، وباستعجال، على تنفيذ مخططات اجتماعية بإشراك كافة الأطراف، بدون إقصاء وتهميش، وفق مقاربة أفقية، فلا نجاح لهذا الورش الوطني حول الحماية الاجتماعية إلا بتفادي الاستغلال السياسوي للعمل الاجتماعي، من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية وإعمال الديمقراطية، باعتبار أن الحماية الاجتماعية والديمقراطية تعدان في الحقيقة وجهان لعملة واحدة.

وكان جلالة الملك محمد السادس قد أكد في خطاب العرش الأخير أنه "ليس من المنطق أن نجد أكثر من مائة برنامج للدعم والحماية الاجتماعية من مختلف الأحجام مشتتة بين العديد من القطاعات الوزارية، والمتدخلين العموميين" فضلا على ذلك، فإن هذه البرامج "تعاني من التداخل، ومن ضعف التناسق فيما بينها، وعدم قدرتها على استهداف الفئات التي تستحقها. فحجم الخصاص الاجتماعي، وسبل تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، يوضح الملك محمد السادس، تتطلب إعادة هيكلة شاملة وعميقة للبرامج والسياسات الوطنية في مجال الدعم والحماية الاجتماعية.

وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة المغربية تعهدت في قانون المالية 2019 بإعطاء الأولوية للسياسات الاجتماعية في التعليم والصحة والتشغيل وبرامج الحماية الاجتماعية، ودعم القدرة الشرائية للمواطنين. وفي نونبر الماضي، نظمت المناظرة الوطنية الأولى للحماية الاجتماعية.

*كاتب صحفي