تحليل

سؤال التعددية و الخطاب السياسي و تخليق الحياة العامة

عبد الغني القاسمي
في خضم التدافع  الذي تشهده حاليا الساحة السياسية الوطنية و الحملات الدعائية المبكرة لموسم الانتخابات المزمع تنظيمها بعد سنتين من الآن تطرح بعض الأسئلة الساخنة نفسها على الشارع المغربي التائه وسط جحافل من الأحزاب تكاد تتشابه فيما بينها على مستوى الشعارات و المبادئ و البرامج – ان كانت لديها برامج – أحزاب نبتت كالفطر تؤثث المشهد السياسي بما يتحمله طوعا و مالا يتحمله كرها ، و من بين الطروحات التي كانت مثار جدل متشعب و طويل خلال السنوات القليلة الأخيرة ، هل المغرب في حاجة ماسة الى كل هذا الزخم الهائل من تعدد الأحزاب ؟ و هل يرتقي الخطاب السياسي لدى معظم الفاعلين السياسيين  الى درجة متقدمة من التجاوب مع انتظارات المواطنين ؟ و هل تبادل الكلام الساقط و الاتهامات بين هذا الطرف أو ذاك يتماشى مع قواعد التواصل السياسي المنبني على المصداقية و الوضوح و السمو الخلقي ؟ و هل ستزداد استفحالا تبعا لذلك ظاهرة العزوف عن المشاركة في الانتخابات و في العمل السياسي عموما نظرا لسوء التصرف و الاخلال بالثقة وتغليب المصلحة الشخصية على العامة من قبل من يظفرون بنصيبهم من الكعكة المختلفة الأشكال و الألوان ؟
و كما نعرف جميعا ، فالانتقاد و الانتقاد المضاد بين بعض الأحزاب المتصارعة غارق في الميوعة و الضبابية مما يجعله عقيما و غير ذي جدوى وهو يركز على تصفية الحسابات الشخصية النيل من الأعراض ، و كمثال على ذلك الخلط الملحوظ بين اتخاذ موقف معين من أداء الحكومة الائتلافية الحالية التي يجمعها ميثاق سمي ب ( ميثاق الأغلبية ) أي أنها تلعب بخطة جماعية و ليست فردية ،  ومع ذلك فالخروج – الذي أصبح مألوفا - عن النص يطبع دائما الخطاب السياسي السائد بين فرقاء الأغلبية ذاتها ، كما نجد أن كل طرف في الأغلبية الحكومية  يتنصل من المسؤولية و يكيلها للآخر، بل و يشرع من الآن في جولات دعائية للانتخابات القادمة ، و أكثر من ذلك يوجد اختلاف ملحوظ بين  ما يصرح به الشخص داخل اطار الحزب و ما يصرح به هو نفسه داخل دائرة المسؤولية الرسمية التي يتقلدها ، أما المعارضة فبعضها خطابها باهت و يجتر مفردات الستينات و السبعينات و لايملك القدرة على التضحية المطلوبة كثمن للنضال الذي يدعي ممارسته و أغلبهم متلهفون على الظفر بنصيب من الكعكة ، و بعضها الآخر عبارة عن أندية تجمع شمل ذوي ثقافة نظرية وحمولة  أكاديمية  يعسر على المواطن البسيط فهمها فيظل في قطيعة معها ، و مجمل القول أن مشهدنا السياسي في حاجة لاعادة نظرجذرية في هيكلته و أدواته الفكرية و أساليبه التعبيرية و سلوكاته الحزبية  .