قضايا

هل من جدوى لمسطرة الصلح بين الزوجين؟

سليمة فراجي

لا أحد يجادل اليوم في فشل مسطرة الصلح في إصلاح ذات البين بين الزوجين، ولعل ندرة المحاضر التي تشهد بمقتضاها المحكمة على الإصلاح بين الزوجين طبقا للمادة 82 من المدونة تثبت ذلك، رغم كون مدونة الأسرة منحت أهمية بالغة من خلال النص القانوني وإلزامية سلوك الإجراء قبل الإذن بالطلاق، سواء كان رجعيا أو اتفاقيا أو قبل البناء، أو الخلعي أو الطلاق المملك، كما اعتبر النص القانوني الإجراء إلزاميا لما يتعلق الأمر بالتطليق سواء للشقاق أو الضرر أو عدم الإنفاق أو العيب أو للإيلاء والهجر.

وقد أوجبت المادة 81 من مدونة الأسرة استدعاء الزوجين لمحاولة الإصلاح بينهما، وإذا توصل الزوج ولم يحضر اعتبر عدم حضوره تراجعا منه عن طلبه، وإذا توصلت الزوجة بالاستدعاء ولم تحضر ولم تقدم أية مذكرة كتابية، تشعرها المحكمة عن طريق النيابة، وإذا لم تحضر تبت المحكمة في الملف.

كما يفهم من نص المادة 82 إلزامية قيام المحكمة بكل الإجراءات المعتبرة مساعي حبية، بما فيها انتداب الحكمين المحددة مهامهما بمقتضى المادة 95 من المدونة المتمثلة في استقصاء أسباب الخلاف وبذل الجهد لإنهائه، أو من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين، وتكون المحكمة ملزمة بإجراء محاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن ثلاثين يوما في حالة وجود الأطفال رغبة في رأب الصدع وإنقاذ التماسك العائلي وحماية الأسرة وعدم تفككها.

كما نص المشرع بمقتضى المادة 96 على إمكانية إجراء بحث إضافي بالوسائل التي تراها المحكمة ملائمة في حالة اختلاف الحكمين في مضمون التقرير أو في تحديد مسؤولية المتسبب في النزاع، علما أن عقد جلسات الصلح بغرفة المشورة وتعيين الحكمين المشهود لهما بالمروءة والتجرد من بين أفراد أسرة المعنيين بانفصام العلاقة الزوجية وإمكانية إجراء البحث الإضافي، كلها إجراءات تصب في محاولة التوفيق والسداد وحماية الأسرة من التفكك وما ينتج عن ذلك من عواقب وخيمة تؤثر سلبا على مستقبل الأطفال والأسرة ككل.

لكن ما تجدر الإشارة إليه أنه رغم نص المشرع على هذه المقتضيات بغية حماية التماسك العائلي، فإنه يتبين أن المحاكم اختزلت مساطر الصلح في إجراءات شكلية ليس إلا، تتمثل في جلسة الصلح الاولى تليها جلسة الصلح الثانية التي غالبا ما تتمحور فيها الأسئلة المقتضبة عن مصير الصلح وإن تم الوصول إلى حل يفض النزاع، كما أن مسطرة الحكمين التي نص عليها المشرع أثبتت عدم جدواها، الشيء الذي جعل بعض المحاكم لم تعد تلجأ اليها.

جلسات الصلح إذن أصبحت عبارة عن مرحلة عبور شكلي مسطري قبل الوصول إلى المحطة النهائية المتمثلة في الطلاق، إجراء مفرغ من محتواه ولا علاقة له بمقاصد المشرع الذي توخى عن طريق سن هذا المقتضى الحفاظ على التماسك الأسري، على اعتبار أن كثرة الملفات وانتظار الأطراف في ممرات ضيقة محرجة وفي ظروف صعبة، خصوصا بالموازاة مع الارتفاع المهول لطلبات التطليق للشقاق، جعلت المحكمة التي تعيش ضغطا لا تجد بدا من تصريف مسطرة الصلح بسرعة دون أن تتعمق في أسباب تدهور العلاقة الزوجية، خصوصا وأن المحاكم الأسرية تعرف نقصا في عدد القضاة المؤهلين الذين يتوفرون على تجربة وتراكمات في مختلف الميادين، الشيء الذي يؤثر سلبا على الاستماع والقيام بجميع الاجراءات التي توخاها المشرع.

وإذا كان مرور 15 سنة على المدونة كشف عن العديد من الثغرات التشريعية والتطبيقية، خصوصا وأن بعض الاجتهادات القضائية نسفت النصوص التشريعية كما حدث بالنسبة لعدم الحكم بمستحقات المتعة للمرأة المطالبة بالتطليق للشقاق رغم أن النص القانوني ينص عليها، ولعل القاضي كان في هذه الحالة أكثر وجاهة من المشرع على اعتبار أنه ليس من المنطقي أن تتسبب المطالبة بالتطليق في انفصام العلاقة دونما أدنى سبب أحيانا، ورغم ذلك نص المشرع على أحقيتها في التمتيع، كما أن المطالبة بالتعويض في مواجهة المتسبب في انتهاء العلاقة رغم النص عليها تشريعيا، فإن القضاء لا يحكم بها في العديد من المحاكم.

لذلك، ليس من المعقول ألاّ يتقيد القاضي بالنص التشريعي، خصوصا وأن آراء واجتهادات القضاة تتشعب من محكمة إلى أخرى، وفي الوقت نفسه لا يعقل أن يتم الاحتكام إلى نصوص أبانت عن ثغرات بينة، وأخرى ترهق كاهل المتقاضين والمحاكم بإجراءات شكلية لا فائدة منها، ولم يتحقق قصد المشرع من سنها، وبذلك إذا كانت المدونة التي اعتبرت قفزة نوعية ومن أهم منجزات العشرية الأولى من حكم صاحب الجلالة الملك محمد السادس قد مر على تطبيقها عقد ونصف من الزمن، فإن التجارب والممارسة اليومية داخل المحاكم أبانت عن العديد من النواقص والثغرات، الشيء الذي يتعين معه انكباب الحكومة المعنية بمشاريع القوانين والبرلمان المعني بمقترحات القوانين على إعداد التعديلات المستمدة من اجتهادات محكمة النقض ومختلف المحاكم والفقهاء وآراء المحامين والممارسين ومختلف المنابر المهتمة بقضايا الأسرة لسد الثغرات ومواجهة النواقص وملاءمة التشريع مع التوجه القضائي وتوحيده وتجويده.