قضايا

الإرهابي وسيدي شمهروش

مصطفى راجعي

هل لسيدي شمهروش علاقة بما حدث غير بعيد عنه؟ نعم

ما زلنا مصدومين من هول ما وقع في إمليل بسفح جبل توبقال الذي هو جزء من جبال الأطلس الصحراوي الذي ما زالت تشد أوصاله بلدان شمال إفريقيا كلها. وما زال وقع تلك الجريمة الشنعاء يحدث رجع الصدى من تلك الجبال البعيدة.

لقد وقعت تلك الجريمة الإرهابية قرب ضريح شمهروش، وأثار هذا الاسم بذاكرتي وقررت الكتابة عن موضوع الإرهاب مستعينا باسم شمهروش الذي يعتبر سيد القوى الخفية في مخيال القرويين في كل بلاد المغرب العربي. والأكيد هو أن أولئك الإرهابيين يكرهون زيارة ضريحه ويعتبرونها شركا بالله لكن اكتشفت أن أولئك الإرهابيين الذين كانوا يسكنون غير بعيد عن الضريح شمهروش هم يعتقدون عوضا عن شمهروش المحلي في وجود قوى خفية دولية (شمهروش دولي) لها سيطرة على شعوبنا يسمونها القوى الصليبية وتلك الاعتقادات الخاطئة هي التي أدت بهم إلى القيام بتلك الجريمة.

في الواقع، لا يتسبب الإيمان بقوى كائنات الجن لدى القرويين المسالمين في أي ميول عدوانية؛ لكن الاعتقاد في وجود قوى صليبة خفية تحكم عالمنا يتسبب في نشوء ميول إرهابية لدى الشباب. هذا هو سبب الإرهاب.. إنه الاعتقاد أن عالمنا تحكمه قوى خفية وكل شيء يحدث وفق أهدافها.

أولا الإرهابي هو شخص عادي هادئ؛ لكن لديه قناعة فكرية بوجود مؤامرة دولية ضد الإسلام، وهو يريد أن يعرف جميع العالم بنظريته من خلال استخدام القتل لإثارة الرأي العام لقضيته. إنه يقتل فقط ليسمع الناس صوته. كانت رسالة مجموعة شمهروش إلى العالم هي أن اصدقاءهم في الأفكار (الدواعش في سوريا) يتعرضون لحملة عسكرية تستهدفهم. نعم، هذا هو تعريف الإرهاب.. للأسف، إنه القتل من أجل إسماع صوتنا..

الإرهابي يعتقد أن لديه قضية كبيرة يجب أن يعرفها الناس، وأنه يجب أن يموت في سبيل أن يسمع بها الناس؛ لكن في الواقع الإرهابي يدافع عن اعتقادات في وجود مؤامرة دولية تقوم بها قوى صليبية غير مرئية مثل الاعتقاد في وجود قوى الجن. إنه يقتل الآخرين من أجل أن يعرف الناس أن هناك "شمهروس" دوليا يحكم العالم ويحارب الإسلام.

الإرهاب غريب على عالم الإسلام وعالم الحضارة، ويجب أن يستمر الأئمة والعلماء والمفكرون في القول إن الإرهاب لا صلة له بالإسلام ولا أي دين آخر؛ لكن الإرهاب إذا لم تكن له صلة بالدين فلديه صلة بعالم الأفكار. فمصدره هو الأفكار الراديكالية التي تتحجب بألبسة براقة ظاهرها الرحمة وباطنها فيها العذاب.

وهناك أدلة تاريخية قاطعة أن الجيل الأول للإرهاب كان جيلا ليس له علاقة بالدين؛ بل كان جيلا معاديا للدين بالأحرى. أوائل الإرهابيين كانوا من النقابيين الملحدين في الولايات المتحدة في السنوات 1920، ثم جاءت مجموعات الإرهاب الأحمر في أوروبا في السنوات 1960 و1970، وظهر لدينا تيار راديكالي عنيف في منطقتنا العربية في السنوات 1980. وفي سنوات 1990، عاد التيار الراديكالي في الظهور عندنا؛ لكن من خلال لغة إسلامية غير تقليدية.

الإرهابيون الذين ظهروا في ضريح شمهروش متدينون؛ لكن ما دفعهم إلى الإرهاب ليس الدين ولكنه الفكر المؤامراتي المورث عن الفكر الراديكالي غير الديني. اليوم الداعشيون يتكلمون عن قوى صليبية خفية تحارب الاسلام، ولقد تعلموا هذا النمط من التفكير التأمري من أساتذة الفكر العربي الراديكالي الذين يؤمنون بوجود قوى خفية عالمية تتسبب في الفروق بين سكان الأرض في الحصول على السلم والتنمية المستدامة ومواجهة تحديات المناخ والفقر والهجرة. وكلما يظهر تحدّ دولي جديد يتم اتهام قوى خفية تابعة لـ"شمهروش" الدولي تتسبب في تلك التحديات.

لقد زرت المغرب مؤخرا وسمعت بعض المثقفين يعتقدون أن هناك اتفاقات سرية أمضاها المغرب سرا سنة 1958 تعطي امتيازات غير محدودة في الزمن لقوى أجنبية. هذه هي نوع الأفكار المؤامراتية التي تتسب في تغذية أفكار الشاب بالتطرف وتؤدي إلى تنفيذ الأفكار المتطرفة من خلال قتل الذين يعتقد أنهم ينفذون تلك المؤامرات. والشباب عموما هم من يتصدى لتلك المؤامرات المتخيلة من خلال الانضمام إلى الإرهاب.

في الأخير، إن الاعتقاد في وجود قوى خفية تسيطر على عالمنا وليس لدينا سيطرة عليها هي فكرة خاطئة تماما، ويمكن أن يتسبب الاعتقاد في صحتها في نشوء اتجاهات متطرفة. لقد تسببت تلك الأفكار الراديكالية في الماضي في نشوء الإرهاب بلون أحمر، واليوم تسبب في إرهاب بلون أخضر أي بلون الإسلام الذين تجدوه معلقا في كل أضرحة الأولياء الصالحين. وسواء كان شمهروش شخصية سردية أو تاريخية، فإن الاعتقاد في وجوده لدى القرويين المغاربة كان ذا فوائد علاجية لهم؛ لكن أولئك الشباب المتدين الذين يعتبرون زيارة سيدي شمهروش بدعة وشركا في الإسلام قد سببوا لغيرهم ولأقاربهم ولبلدهم ضررا بليغا بارتكاب تلك الجريمة. فيا ليتهم كان لديهم إيمان أمهاتهم وجداتهم القرويات ببركات سيدي شمهروش..

*مؤسس معهد هايك للتفكير الاقتصادي