قضايا

الإرهاب وضرورة الفهم

إبراهيم أقنسوس

الحدث الإجرامي الذي ذهبت ضحيته السائحتان الأجنبيتان يتعين معالجته، في تقديري، من زاويتين اثنتين على الأقل، الأولى داخلية، والثانية خارجية:

على المستوى الداخلي: يبدو أن بلادنا ما زالت تحتاج إلى عمل كبير، ومجهود أكثر في إبداع أساليب تربوية وثقافية وتواصلية وإعلامية، أكثر نجاعة في ترسيخ وتثبيت ما يمكن تسميته بالإسلام المغربي، الذي يميز بلدنا، والقائم على مبادئ ضابطة وناظمة للمسار، نعبر عنها عادة بكلمات العقيدة الأشعرية إمارة المؤمنين والفقه المالكي وفق القراءة المغربية وتصوف الجنيد السالك... وعلينا أن نكون صرحاء، فأذهان الكثير من شبابنا محشوة وقابلة للحشو بأدبيات فقهية وتفسيرية نزاعة في عمومها إلى الغلو في الفهم وإلى التشدد في السلوك، والأسباب كثيرة ومتداخلة يلتقي فيها التربوي والنفسي والاجتماعي والسياسي أيضا، فما أسهل اليوم أن يختلي شاب من هؤلاء بحاسوبه أو هاتفه الذكي، ويسلم عقله وكيانه كله لمن يحدثه في الدين من مشايخ التشدد والتطرف والتكفير، ممن يستغلون فورة الشباب وحماستهم لدفعهم دفعا إلى قتل الأبرياء وترويع المواطنين والمساس باستقرار الدول. إن ما تشهده بلادنا من أحداث إرهابية، وإن كانت محدودة زمانا ومكانا، لا بد أن تدفعنا إلى التفكير والتساؤل حول ما تحمله عقول هؤلاء، ويدفعهم إلى كل هذا القتل وكل هذا التوحش، وباسم الدين وبقول الله أكبر، بل وبتأويل لحديث واحد، بل ولنصف حديث، (جئتكم بالذبح)، منزوع من سياقه المعرفي والزماني والمكاني، من أين يأتينا هؤلاء بكل هذا الفهم القاتل للدين؟ كيف يتحول بعض شبابنا في غفلة منا إلى جماعة من التكفيريين والمجانين باسم الدين. ولنكن صرحاء: لماذا يفضل الكثير من شبابنا مشايخ التشدد والتطرف والغلو، ويلتفون حولهم، ويهجرون علماءنا ومشايخنا وأساتذتنا؟ ألا ينطوي هذا الأمر على سر ما؟ ألا يعني الأمر أن شيئا ما ينقصنا. المؤكد هو أن الأمر يتعلق بفراغ يتم سدّه، وبالكامل، بكل هذا الجنون.. والمؤكد أيضا هو أن الأمر يصبح أكثر تعقيدا حين يتعلق بالبادية، وما أدراك ما البادية في بلادنا، حيث لا شيء هناك عدا الفراغ والخلاء.. ترى كيف يتلقى سكان تلك البوادي والمناطق النائية عندنا ما تحمله إليهم وسائل التواصل الحديثة من آراء وفتاوى وتأويلات للدين وقضاياه؟ كيف يتدبرون هذا الهجوم المعلوماتي الديني في تلك الفيافي والمجاهل البعيدة، حيث لا علماء ولا أساتذة ممن يمتلكون حجية المعرفة، ومنطق مناقشة الدليل؟

على المستوى الخارجي: السؤال التقليدي الذي يجب وضعه ابتداء ها هنا هو: من المستفيد مما يحدث عندنا أحيانا من إرهاب؟ والجواب المؤكد والواضح هو أن لبلادنا أعداء كثيرين، يستكثرون علينا ما نحن فيه من أمن، ويغيظهم ما نحن عليه من تسامح وقدرة على النهوض من جديد بعد كل كبوة.. السؤال حول العقل أو العقول المدبرة لهذا الإجرام يبدو ملحا، فوراء المجرمين الصغار يقف صناع الإرهاب الكبار، ومن يواليهم من أعداء هذا الوطن العزيز، أفرادا ودولا.

إن استحضار البعدين معا، الداخلي والخارجي، وبسطهما معا، والاشتغال عليهما معا، مقدمات ضرورية، لفهم ومعالجة ما جرى.