قضايا

الندم ينغص حياة المغاربة

جواد مبروكي

"لَوْ كانْ يْحْسابْني هَكّا" لن أتزوج، "لَوْ كانْ يْحْسابْني هَكّا" لن أربط هذه العلاقة، "لَوْ كانْ يْحْسابْني هَكّا" لن أطلق، "لَوْ كانْ يْحْسابْني هَكّا" لن ألد أطفالا، "لَوْ كانْ يْحْسابْني هَكّا" لن أختار هذه الدراسة، "لَوْ كانْ يْحْسابْني هَكّا" لن أقترض من البنك، "لَوْ كانْ يْحْسابْني هَكّا" لن أعود إلى المغرب، "لَوْ كانْ يْحْسابْني هَكّا " لن أستجيب لنصائحه...

ألاحظ المغربي يعيش طيلة حياته في مرارة الندم، ويجد نفسه أنه أخطأ في كل اختياراته، ويلوم نفسه ويوبخها ويلوم حتى من أسهم في اختياراته وقراراته. وعلى الرغم من هذا الندم أراه يأخذ قرارات جديدة، ثم يندم عليها ويوبخ ذاته وكأنه يعيد السيناريو نفسه طيلة حياته.

قبل توضيح أسباب هذا الفكر التوبيخي الذاتي، لنتحدث قليلا عن خطورة هذا الفكر من ناحية التحليل النفسي. الندم والتوبيخ هو فكر سلبي ومحبط ويُعتبر نوعا من "جلد الذات". وبعد مدة من العقاب الذاتي، يرى الفرد أنه قد أدى حق أغلاطه ويتوقف عن الجلد ويصبح بريئا. وبعد ذلك، يكرر العملية نفسها، ثم الندم والتوبيخ "جلد النفس"، ثم البراءة. وتمر حياة المغربي على هذا النمط على شكل حلقة متكررة، اللهم إلا إذا كان محظوظا وأدرك هذه العملية لا شعورية، واشتغل على نفسه ليتحرر من فكر الندم والتوبيخ وجلد الذات.

وهذه أهم أسباب فكر الندم:

1- التربية الدينية الخاطئة

مع الأسف، نرى التربية الدينية الخاطئة تعتبر الندم ضروريا للوصول إلى الغفران، وأن الندم هو الاعتراف بالخطأ، وهذا الاعتراف يلزمه الندم وتوبيخ الذات من أجل الحصول على الغفران الإلهي؛ ولكن هذا السلوك هو إهانة ذاتية ومذلة نفسية. وبطبيعة الحال، التربية الدينية الصحيحة ترفض إهانة النفس؛ لأن الذي يُهين نفسه سوف يُهين بدوره أبناء جنسه. كما أن التربية الدينية الصحيحة تشجع الطفل على الحفاظ على كرامته وإيصاله إلى الإدراك أنه من الطبيعي أن يخطئ، وتُعلمه كيف يستطيع تقييم أعماله وتجاربه في الحياة وكيف له أن يتعلم منها وينمي قدراته الذاتية وأن لا فائدة في الندم والتوبيخ.

2- غياب التشجيع في التربية

ترتكز التربية المغربية أساسا على التوبيخ، ظنا أنه سيصقل قدرات الطفل حسب المثل الشعبي "المغربي كاموني إلا مَحْكِّيتهْشْ مَيْعْطيشْ الرّيحة". وهذا خطأ فادح في مجال العلم النفسي التربوي. ويعتبر المغربي أن التشجيع يُسبب فشل الطفل باعتباره "فْشوشْ". وهكذا، يُرسَّخ في ذهن الطفل الفشل وبأنه هو سبب فشله ويستحق التوبيخ، حيث تراه يندم على ما فعله؛ لأن التربية المغربية غرست هذه العبارة في ذهنه "آشْ كَدّيرْ، مالْكْ مَكا تْعْرْفْ دِّيرْ حتى شي حاجة مْزْيانَة وْ مْسْكّْدَة"، أو "راكْ غَدي تْنْدْمْ إلى زْدْتي هَكّا" أو "إوا ها لِمَكَيْسْمَعْشْ لْكْلامْ". ولهذا، نرى المغربي يُنتج الندم والتوبيخ؛ لأن هذا النموذج الفكري قد رُسخ في ذهنه في المنزل والمدرسة. ونستنتج أن التربية الناجحة هي التي ترتكز على التشجيع في جميع التجارب.

3- العقوبة التربوية والخلط بين الخطأ والمُخطئ

بطبيعة الحال، في التربية لا بد من العقوبة لمساعدة الطفل على التمييز بين ما هو مقبول وبين ما هو مرفوض في الحياة الاجتماعية من أجل الحفاظ على النظام العام والتعايش بين كل أفراد المجتمع. وحسب التربية الناجحة، إذا كان لا بد من العقاب يجب تجنب التوبيخ وإهانة الطفل والتعبير عن فشله؛ بل يجب أن يفهم الطفل بكل وضوح أننا نعاقب الخطأ الذي ترفضه القواعد الاجتماعية ولا نعاقبه كفرد. وهدف العقوبة هو إيصال الطفل إلى إدراك الخطأ ولماذا يرفضه المجتمع وتدريبه على تعلم الأعمال التي تسهم في الحفاظ على القوانين الاجتماعية. وهنا، نرى بهذه الطريقة أننا نشجعه ولا ندربه على الذي هو مضر لتوازن شخصيته.

4- غياب الثقة في النفس وتحمل المسؤولية

توبيخ الطفل وتشجيعه على الندم يحبط نمو الثقة في ذاته، ويرى نفسه من خلال التوبيخ أنه إنسان فاشل. كما أن التوبيخ والندم يُخدِّران تنمية قدرة شعوره بمسؤوليته في كل ما ينجزه.

*خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي