رأي

عبد الإله الجوهري: خربيكة المكلومة سينمائيا..

من الأهداف السامية المسطرة من أجل تنظيم مهرجان خريبكة للسينما الإفريقية، التعريف بالمدينة وامكانياتها الطبيعية والثقافية وطاقاتها الفنية والفكرية، وجعلها مدينة تستقطب تصوير الأفلام الوطنية والدولية، مع إعطاء أبناء المدينة ورموزها الفكرية والإبداعية، فرص الحضور والظهور والإحتكاك، بل والمساهمة في وجود وخلود تاريخ المدينة وتظاهرتها السينمائية الأصيلة، من خلال تسليط الضوء على عطاءات النادي السينمائي للمدينة، النادي المنظم الأصلي للتظاهرة رفقة الجامعة الوطنية للأندية السينمائية، النادي الصانع لأبهى اللحظات، لمدينة النضال والعمال والشباب المتوقد الطافح بالمحبة والغيرة الفنية، هذا قبل الولادة القيسرية لمؤسسة ورقية يتحكم فيها الفرد الأوحد الأحد، وخلق النزاعات والشقاقات، وخنق الأنفاس المتمردة، وشراء الذمم لقلة واهية، بالسفريات للمهرجانات والملتقيات الوطنية والدولية.

 لكن، وللأسف، طلعت الشعارات والأهداف المرجوة للمهرجان، مجرد بالونات هوائية مليئة بالقليل من الحقائق الحية، والكثير من الأكاذيب الضاجة بالإدعاءات، حقائق تتعلق في الأصل بحيثيات تنظيم هذه التظاهرة سنويا، و أهداف عرض الأفلام الإفريقية، وأسباب نسج العلاقات مع الأشقاء بالقارة السمراء البهية، مع استقبال بعض الضيوف من الخلان والأحبة والأصدقاء، لكن، وكما يعلم الجميع،الأفلام واللجان والخلان والأحبة والأصدقاء يتم اختيارهم بعناية عالية، عناية لاعلاقة لهم بالفن والسينما، اللهم علاقة القرب من بعض المتحكمين في رقبة المهرجان، والمسيرين لأنشطته بقليل من الفهم وكثير من العنجهية، وبعض الماسحين للأحذية وكتاباتهم الواهية، الماسحون الذين ينتظرون دائما من المنظمين رد التحية، ومعهم أصحاب الإتصالات الهاتفية، وتقبيل الأيادي السامية، وزمرة المتظاهرين بحب السينما والمدينة، من خلال مقالات صفراء وخربشات فيسبوكية .

أما الأكاذيب فكثيرة، بل عديدة متعددة، يصعب حصرها في هذا المقام، لكن يمكن تلخيصها بكثير من التركيز والإيجاز، في كونها أكاذيب يروم مروجوها بيع العجل، كل سنة، للجهات الرسمية، والسلطات المحلية، ولجنة دعم المهرجانات، وبعض الجرائد الوطنية، والمواقع الباحثة عن الخبر المبتل بماء قلة الحياء، الخبر الذي يعني أي خبر، من أجل ملئ الفراغ، والفوز في أحسن الحالات، بدعوات الحضور والجلوس على الموائد الخاوية، إلا من الثرثرات الفارغة، و ترويج الإتهامات الداوية، وحبك المؤامرات السوليمائية، و تجييش عشرات المخازنية...

مناسبة القول، تنظيم الدورة الحالية من فعاليات هذا المهرجان في دورته 21، دورة كدورات العشرية الماضية، دورة سرقت مرة اخرى مفاتيحها الأصلية من أطر الأندية السينمائية الحقيقية، ومنحت لأفراد خضعوا لدورات تدريبية في تمجيد السيد الرمز، أفراد جاءوا من بعيد البعيد، أفراد ليس لهم لا في العير ولا في النفير، اللهم الفوز بجلسات ليلية، أوعطلة مجانية في فنادق خريبكية مسخت مسخا، فنادق ماعادت تستحق أن تحتضن إطارات سينمائية إفريقية حقيقية، ولا مناضلين سينمائيين عارفين بتاريخ التظاهرة وحق الصورة والكلمة الطيبة.

عثمان آشقرا إبن المدينة ورمز من رموزها الثقافية، بل وكاتب كتب فكرية وراوايات إبداعية وسيناريوهات فيلمية عديدة، لعل من أهمها سيناريو فيلم "ولولة الروح"، الذي تدور أحداثه بمدينة خريبكة، فيلم يستمد عناصره من تاريخ وتراث الحاضرة الفوسفاطية، بل الأكثر من ذلك، فيلم صور بالكامل بين أزقة ودروب هذا الفضاء الغني بالدلالات، مثل ما عرف مشاركة وجوه خريبكية مختلفة، وجوه لا يمكن القفز عليها وعلى بصماتها الثقافية، لكن كل هذا لم يشفع له، لكي يكون حاضرا معززا ومكرما، مثلما لم يشفع للفيلم أن يعرض ولو على هامش التظاهرة، حتى يتمكن أبناء المدينة وروادها، معانقة تجربة سينمائية حاولت أن تؤرخ للظاهرة السينمائية بالمدينة، وتظهر امكانياتها التراثية، ومواقف أناسها النضالية، بمعنى أن تكون في مستوى اللحظات البهية للسينما الافريقية، وتستجيب، في نفس الآن، لأفق انتظار الساكنة المتعطشة لمعانقة تجارب أبنائها، تجارب، ويا للمفارقة، عرضت داخل وخارج المغرب، وحصدت الجوائز، لكنها، وللأسف، لم تعرض في مدينتها الأصلية، المدينة المتطلعة لكي تكون مدينة السينما الإفريقية الحقيقية، وقاطرة لبقية المدن المغربية في ترويض وترويج معاني الجمال والبهاء والقيم الإبداعية.

شعار: "نحن ننظم المهرجان للتعريف بالمدينة وتنشيطها ثقافيا وفنيا، والتعريف بامكانيات أبنائها"، الذي يردده بعض الببغاوات أمام الميكروفونات الصحفية والجلسات الرسمية، يبدو اليوم عاريا، أمام الحقائق المذكورة أعلاه، حقائق ثاقبة للأعين المصابة بداء الرمد المصلحي والحقد الذاتي المستمد من الحسد والإمعان في مجاورة المزابل والفضاءات المنتهية الصلاحية، حقائق سيطلع علينا، بمجرد نشرها، من سيمنح صوته المبحوح لمهاجمتها، ويظهر أمامنا من كان/ ولازال قلمه المأجور لتسفيهها، و ينظر نحونا بشزر من سيصعد الشجرة العالية كي يظهر لنا مؤخرته العارية، و يختبئ بكل جبن من سيحاول ضربنا من تحت الحزام بكل خسة وأنانية.

 نعم سيطلع كل هؤلاء، مثلما تعودوا أن يطلعوا في قضايا مشابهة، لا لمناصرة المنطق والدفاع عن الحق والحقيقة، بل لتبرير وجودهم في غرف الفنادق المرمية على أطراف الحياة السينمائية، غرف المصالح الآنية الغارقة في مستنقع الإنتهازية، وتسطير التاريخ الغارق في لجة الذل والهوان و الدهاليز المظلمة المنسية..

ومع ذلك، ورغم أنف جهابذة التنظير الحربي و الجيوش الطينية، نقول بالفم المليان:

كل سنة ومدينة خريبكة زاهية/بهية بسينماها وأبنائها الأحرار، الأبناء الذين ما سمحوا لأنفسهم التمرغ في تراب البؤس والهوان، أو الجلوس على خوازيق الذل والحرمان..

ملاحظة: ما كتبناه اعلاه لايعني أننا ضد المهرجان، بل ضد طريقة تسييره و تهريبه نحو المجهول الثقافي والفكري والسينمائي، أما المهرجان فهو فعل ابداعي يجب الحفاظ عليه وتثمين انشطته، من خلال دعمه أكثر، وكنس الكمامير الضالة المضلة، وإعادته لأصحابه الشرعيين الاصليين(الجامعة الوطنية للأندية اللسينمائية والنادي السينمائي لخريبكة، وكل الطاقات المحلية الأصيلة)....

ملحوظة: المقال نشره الناقد و المخرج الجوهري على حسابه في موقع التواصل الإجتماعي فيسبوك