قضايا

أحمد عصيد: مرحى ! لا ينقصنا إلا "عمر عبد الكافي"

يعيش بلدنا مشهدا كئيبا على كل المستويات، حياة سياسية بئيسة وبلا معنى، انتهاكات متلاحقة للحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية واللغوية للمغاربة في مختلف قطاعات الدولة وحتى في خطابها، بؤس اجتماعي وفقر يضع ملايين المغاربة على حافة المجهول، انتفاضات اجتماعية عفوية لفئات متضررة من كل أنواع التسلط والقهر والنهب، جهل مركب ومقدس يشيع مثل الروائح التي تزكم الأنوف، وأمية منتشرة تنخر جسد المغرب وتشيع كل أنواع الخرافة والدجل حتى صارت "الرقية الشرعية" اهتماما وانشغالا يوميا لأساتذة جامعيين !!؟؟، عنف في الشارع والمدرسة والبيت يترك أثره في النفوس والنظرات، وامتهان للكرامة الإنسانية تجعل الفرد المواطن في أسفل سافلين. في هذه الظروف التي يمكن نعتها بالغمّة الشاملة العارمة، يأتي إخواننا الإسلاميون ـ الذين هم أشبه بالجوارح التي تقتات على الجيف ـ بشخص يدعى "عمر عبد الكافي"، لعله الدواء الذي سيشفي كل أمراضنا، ومن يدري ؟ فقد تحلّ البركات بحلوله بين ظهرانينا، فنخرج من الظلمات إلى النور، فيحلّ العلم مكان الجهل، والتعلم محلّ الأمية، والازدهار بدل الركود والتخلف، والعمران محلّ الخراب الذي يشيع حتى في مدارسنا، وما دام هذا الشخص آتيا من المشرق، فلا شك أنه يحمل الكثير من المعجزات.

من أجمل مهارات عمر عبد الكافي الكذب بدون خجل أو حياء، فهو يستغل جهل الجاهلين الذين لن يقوموا باستقصاء أخباره والتحقق منها، والتي جاء ليروجها بيننا، ليس في قاعة أو فضاء خاص لأتباع الإخوان والسلفية السياسية، بل في مسرح محمد الخامس الذي يتوسط العاصمة الإدارية للمملكة، وهذا معناه أن السيد وزير الثقافة ورئيس حكومتنا المحترمين يباركان هذا القادم المدجّج بكل أنواع الأفكار الفتاكة، والتي أبسطها أن هتلر قد استلهم القرآن في تعبئة الشعب الألماني من أجل إعلان الحرب على العالم، حيث يقول في إحدى فيديوهاته: "هتلر كان عايز يعبئ الشعب الألماني للحرب، فجمع المستشارين وقال لهم: أنا عايز مطلع للخطبة يهزّ الناس، فكان في واحد من أصول عربية يعيش في ألمانيا قريب من هتلر، فدله على الآية القرآنية "اقتربت الساعة وانشق القمر"، وبدأ بها الخطبة" وعندما وصل العبقري عبد الكافي إلى هذه المستوى من الهذيان نظر إليه منشط البرنامج التلفزي وعلى محياه ابتسامة تهكم قائلا "هتلر؟ " فكان ردّ عبد الكافي بصفاقة وقلة حياء لا نظير لها: "نعم هتلر، هادي موجودة في تاريخه وأنا أقرأ عن تاريخه ". معنى هذا أن دمار العالم وموت أزيد من 55 مليون نسمة إنما كان من القرآن، ولولاه لما تحمس الشعب الألماني ولما استيقظ لتبني الأفكار النازية العنصرية. يا له من داعية، ويا لها من نصرة للإسلام والمسلمين !. هل يمكن أن يستمع شخص عاقل لهذا الكلام دون أن يشك في سلامة عقل الرجل ؟

عمر عبد الكافي هو الذي أفتى بلعن المرأة العاملة التى تسافر إلى عملها لوحدها واعتبرها آثمة. إذ لابد من أن يكون برفقتها رجل وأن تكون مغشاة جميعها من رأسها إلى قدمها، وما أحوجنا اليوم في المغرب إلى مثل هذه الأفكار "التنموية" و"العملية".

وكغيره من الدعاة لا يمكن أن ينسى كراهية اليهود طبعا، فهي جزء من عقيدة التطرف، ولهذا يبشر بقتل اليهود، وبالحجر والشجر اللذين سينطقان في نهاية الزمان مناديين على المسلمين لكي يقتلوا اليهود المختبئين وراءهما، "إلا شجر الغرقد فهو من شجر اليهود"، ويضيف الرجل الجاهل قائلا "ولهذا زرع الإسرائيليون 10 ملايين شجرة من هذا النوع في صحراء سيناء" (كذا !) وإنما الرجل يكذب كما يتنفس، لأن اليهود لا يعرفون أحاديث أبي هريرة ولا يصدقونها، لكي يتهيئوا لذلك اليوم الذي سينطق فيه الحجر والشجر وبصوت عال ومسموع. وشجر الغرقد الموجود بصحراء سيناء لم تزرعه إسرائيل، بل هو جزء من البيئة الصحراوية منذ القديم، وما لا يعرفه الرجل الجاهل هو أن أكثر المناطق التي يوجد بها هذا الشجر هي جزيرة العرب (التي لا يوجد بها يهود)، كما يتواجد بالأردن وليبيا، وهو شجر ينفع في تثبيت الرمال الزاحفة، كما يستعمل ضمن الأعشاب الطبية لمعالجة الكثير من الأمراض لما يتوفر عليه من أملاح معدنية عديدة مثل النحاس والمنغنيز والكروم والنيكل، وهو نوع من الأشجار الموجودة في الطبيعة ولا علاقة له باليهود تحديدا. والمشكلة الحقيقية موجودة في دماغ الداعية وفي كتب الحديث المليئة بالأكاذيب الموضوعة وليس في الشجر.

ولم ينج المسيحيون بدورهم من حقد عبد الكافي، ففي مرحلة ما كثر شغبه على أبناء وطنه من الأقباط المسيحيين والتحريض ضدّهم حتى ألزمته سلطات بلده بالاعتذار وزيارة البابا شنودة في الكاتدرائية لتهنئته بالعيد المسيحي الذي لم يكن يعترف به، حيث كان يدعو أتباعه إلى عدم تهنئة المسيحيين في مناسبات أعيادهم، وعدم مجاملتهم في أفراحهم، بل كان يقترح عليهم في فيديوهاته حتى عبارات السخرية والتهكم التي عليهم استعمالها ضدّهم.

وقد كتب عادل حمودة في مقال عن عمر عبد الكافي، بعد الأحداث الإرهابية التي ضربت كنائس الأقباط المسيحيين بمصر:"بكينا ضحايا تفجيرات الكنائس فى القاهرة وطنطا والإسكندرية.. وما لم ننتبه إلى خطورة الكلمات المسمومة فلن تتوقف تفجيرات الأحزمة الناسفة".

عمر عبد الكافي هو الذي له قدرة كبيرة على رواية الخرافات كما لو أنها حقائق عاشها واقعيا أو شهدها بنفسه، رغم أنها وقعت في الغزوات الأولى للصحابة، وهو يتحدث عن "الأسرار التي هي أغرب من الخيال"، في فيديوهات ليست سوى أخبار متداولة بالتقليد الشفوي لأزيد من 200 سنة، معظمها رؤى وأضغاث أحلام واستحضار للأموات، قبل أن ينتبه الناس إلى تراكم الأكاذيب المحيرة في بداية القرن الثالث الهجري، ولهذا تطمئن إليه قلوب العامة من الذين يعانون، بسبب أوضاع التخلف والأزمات المتلاحقة، من مشاكل نفسية لا حصر لها. والخطر في مثل هذه الأخبار المنوّمة هي أنها تلهي الناس عن مشاكلهم الواقعية الحقيقية، وتلقي بهم في أتون الخيالات الجامحة والعديمة الجدوى، علاوة على ما في بعضها من قيم معاكسة لمجتمعنا الحالي ولعصرنا.

فلسفة عبد الكافي التي يُروج لها ضد الحرية وضد المواطنة، والتي سيأتي بها إلى بلدنا، تتلخص في العبارة التالية التي ننقلها كما نطق بها:"دع الله يُدبر لك، فدبّر ألا تدبّر، واختر ألا تختار، فربك يخلق ما يشاء ويختار". من أسباب تخلفنا أننا لا نحسن التدبير والتخطيط والاختيار، ومن أسباب نهضة الشعوب الراقية أنها تربي أبناءها على حسن التدبير وحرية الاختيار، فما الذي سيكون عليه حالنا إذا قررنا أن نتبع هذا الشيخ، إنها حياة الغاب والعشوائية البدائية، فالله لا يمكن إلا أن يتخلى عن قوم لا يستعملون عقولهم التي وهبها إياهم كبقية البشر.

من علامات الانحطاط المريع شيوع أفكار الشعوذة والخرافة والأكاذيب ودعوة الناس لمروجيها من بلد إلى آخر كما لو أنهم خبراء في علوم تنفع الناس، ولكن إذا كان القدامى يقولون "الله يجعل الغفلة بين البايع والشاري" فإننا على الأقل مسؤولون عن حماية بلدنا من الأفكار الإرهابية الهدامة، ومن مشعلي الفتن ومشيعي الكراهية.