رأي

إدريس بنيعقوب: التواصل الجيلي.. الحلقة المفقودة في أزمة احتجاجات التلاميذ

من من الأحزاب السياسية المغربية أو من المرافق العمومية ومؤسسات الدولة تملك استراتيجية تواصلية تضم من بين عناصرها التواصل الجيلي la communication générationnelle؟ الجواب قطعا بالنفي: لا أحد! من من القادة السياسيين يفرد برنامجا منتظما خلال مختلف زيارته ولقاءاته مع مناضلي حزبه أو مع المواطنين، للتعاطي بالبيداغوجيا اللازمة مع الفئات الناشئة؟ الجواب: لا أحد! إذن فلم العجب اليوم من نفور الأطفال وشباب الثانويات من الدولة وقراراتها ككل؟
عندما وضع خبراء التواصل والتسويق في الغرب قواعد وأسس بناء مخططات التواصل، لم يغفلوا المقاربة العمرية أو الجيلية في تأسيس بناء بناء إجتماعي تنخرط فيه مختلف الفئات بجميع أعمارها. لم يغفلوا أيضا دورات الحياة من الطفولة إلى الشباب ثم إلى الشيخوخة، فوضعوا لكل دورة قواعد وأشكال للتواصل والخطاب. 
الطفولة أو الشباب هي منتوج إجتماعي لتصوراتنا، لتصورات الفئات الأكبر سنا، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال إدانة سلوكات هاته الفئات، لأنها في آخر المطاف سلوكات بنيت على القيم التي تمثلها الكبار في الفضاء العام، تمثلات ساهم في انتشارها الإعلام بشكل أكبر، تمثلات نقلها الجيل السابق للجيل اللاحق بدون ملاءمة أو معرفة حقيقية بالاحتياجات التواصلية الجيلية الجديدة. التواصل مع مختلف الأجيال يمتد من خلق فضاء للعب الجماعي التضامني والمرح والفرجة، إلى حلقات النقاش العمومي مرورا بالتربية على الفعل الاجتماعي التطوعي والخيري، يشمل مواضيع أخرى تصاغ بمقاربة بيداغوجية أولا وبمضمون سياسي واضح ومحمول على أوعية مناسبة على رأسها الإعلام ووسائل التواصل المتنوعة. 
مقاربة الأجيال والأعمار من خلال معرفة مختلف البروفايلات، داخل مختلف الأوساط الاجتماعية والبيئية والجغرافية، غابت عن العمل السياسي في المغرب وعن عمل مؤسسات الدولة بشكل واضح، وغابت عن التلفزة في فقرات الطفولة. تناست مؤسسات الوساطة الحزبية أو الرسمية وجود جمهور صغير يافع متربص به، ينتظر من يلتفت إليه ويعيره اهتماما. عندما غاب ذلك تشكل وعي متنوع التأطير، وأحيانا مجهول المصدر لدى هاته الفئات الجديدة، تأطير نازع المجتمع والدولة قيمها وهويتها و قواعد اشتغالها أيضا.
في الماضي، كانت أحزاب الحركة الوطنية تهتم بالناشئة بدرجة أكبر. كانت لديها برامج تكوين وتأطير مناسبة. الظرفية التاريخية بحمولتها الايديولوجية والفكرية، ساهمت في بناء شخصية مواطن مغربي له حس وطني قوي ووعي سياسي مؤثر. كل تلك الجمعيات والتنظيمات العمرية التي تأسست منذ الستينيات، في مختلف الميادين من كشفيات وجمعيات المسرح والحركة التلاميذية وجمعيات التخييم وغيرها، كانت تشتغل بمنطق سياسي و بنفس ايدلوجي؛ التأطير السياسي والاجتماعي يحتاج إلى فكر ونظر. كانت هذه التنظيمات  ممتدة في المجتمع عبر تواصل منتظم و محدد الأهداف. أغفلت أحزاب اليوم دورها في تأطير الناشئة واهتمت بمشاريع انتخابية زادت  العلاقات بين مختلف الأجيال جفاء ورفضا.
الهوية، النضال، الالتزام، الوطنية، الوعي السياسي وغيرها من المفاهيم التي تشكل الارتباطات داخل المجتمع، كلها مفاهيم تحتاج إلى صناعة حقيقية. بل إن حب الأوطان أصبح صناعة ومنتوج لمسار تكويني وتأطيري وتواصلي متعدد الأبعاد والوسائل. فكما هناك تواصل مهني ينمي حس الانتماء إلى مهنة معينة أو حرفة ما، وهناك أنواع أخرى من التواصل، لكل منها قواعده وأسسه وأوعيته، هناك أيضا التواصل الجيلي تشتغل على العمرية âgisme للتقارب مع الأجيال الجديدة؛ للبناء الاجتماعي للعمر موازاة مع الأسس الهوياتية للبلاد؛ للتأقلم مع التطورات والانتقالات الاجتماعية والسياسية ولنقل القيم المغربية الحقيقية إليها، في مقدمتها قيم الحفاظ على العيش المشترك وعلى بناء جماعي إسمه الوطن.