رأي

طلحة جبريل: مخاطر المهنة..خاشقجي وبغا

جمعتني دروب المهنة مع كل من "جمال خاشقجي" و"رشيد بغا" رحمهما الله.

الأول في لندن وواشنطن والثاني في الرباط .

كانت نهاية رحلة الحياة في الحالتين مأساوية… مؤلمة ومحزنة.

"جمال"بفعل وحشي، و"رشيد" بمبادرة يائسة.

في الحالتين مؤشرات على أن المهنة تعرف مخاطر تصل إلى حد الخطر.

في حالة "جمال" لم يكن لسقف الحرية الواطئ جداً أن يتيح هامشا للاختلاف، لذلك كان عليه أن يستوعب أن التسكع على أرصفة التاريخ أكثر أماناً من التزاحم في وسط مجراه الخطر .

ثم في حالة "جمال" اخترت التمهل . إذ يكتب الصحافي عندما تتوفر له معلومات، وايضا عزوفا عن إهدار ورق بلا معنى، و استهلاكا لطاقة كلام بدون جدوى.

لعل من الخطأ الاعتقاد ..انه يجب على الصحافي أن يكون صاحب شأن في كل قضية لها علاقة بالمهنة، له فيها رأي يسمع وكتابات تقرأ.

إذا كان جثمان جمال لم يوجد بعد، فمن الواضح أن الحقيقة دفنت في الاضابير التركية .. بل تحول الأمر إلى مسلسل تركي قد تطول حلقاته خاصة أن " العثمانيين الجدد" بزعامة رجب طيب أردوغان، يرغبون في توظيف القضية لخدمة سياساتهم ومصالحهم، وهذا أمر مفهوم في سياسات الدول والأنظمة، عندما تأتيها هدية من السماء، حتى لو كان الأمر يتعلق بتقطيع  جثة إلى أطراف.

الحقيقة أنني اطلعت على ما كتبه بعضهم عن نهاية "جمال" المأساوية و استغربت، واستمعت لما يرويه بعضهم وتعجبت.

بعد النهاية المأساوية، كان العالم مشدودا إلى فداحة الفعل، والوسط الصحافي مشدوها بالصدمة .

المسألة في عمقها أن حكاماً يجدون الحل في البطش. وبالمقابل هناك صحافيون يقتربون من دائرة القرار ويظنون أن بإمكانهم الاحتفاظ بمسافة تتيح لهم أن يقولوا

ما يعتقدون.

تخاطب المبادئ الضمائر لكن الحقائق هي التي تصنع الحياة.

و في حالة "جمال" و"رشيد" ، أمطار الشبكات الاجتماعية وسيولها التي أغرقت العمل السياسي بأساليبه التقليدية تضمنت الكثير، منذ أن بدأت التجارب الديمقراطية ، إلى حد أن كثيرين باتوا يعتقدون أن هذه الشبكات تصنع سياسة، لكن لا أحد يسأل، بأي تكاليف على الوعي وعلى فرصة الاختيار الحر وعلى الحقيقة.

كان "جمال" ينتمي لتيار "الإسلاميين ، إلى حد أنه ذهب إلى أفغانستان ليحارب مع "المجاهدين " ضد " الغزو السوفياتي".

كان متناغماً مع نبرة إسلامية  انتشرت  في المنطقة بعد أن نزلت الإعلام القومية

 انحسر المد اليساري  وتراجعت المواقف والأفكار الوطنية، وبدا أن حصون الدين هي المعقل الأخير للمقاومة..لكن أصحاب هذا التوجه نسوا ان الدين هو في جوهره وعمقه الإيماني علاقة بين الناس  كل على حدة  ورب العالمين .

في حالة "رشيد" فإن بعض الصحافيين يعانون وحشة النفي الداخلي سواء كان النفي وراء الصمت أو وراء الانزواء.

أختم لأقول  حين تفتقد الصحافة الإمكانيات والحريات يصبح الصحافيون  رهائن وليس للآخرين ما يقدمونه لهم سوى الأسى والحزن على أحوالهم ومصائرهم ، ولا يمكن للأسى حتى لو بلغ حد التفجع أن يصلح وضعا.

"المقال نشره الكاتب على صفحته في موقع التواصل الإجتماعي فيسبوك"