تحليل

معركة "المشاورات" في قضية الصحراء

نوفل البعمري

خلفت دعوة المبعوث الشخصي للأمين العام إلى الصحراء قراءات وتأويلات متعددة، تستدعي الوقوف عندها، في ظل التطورات التي عرفها ملف الصحراء أمميا، والتي دفعت مجلس الأمن في أبريل الماضي إلى تمديد مهمة بعثة المينورسو لستة أشهر فقط، تنتهي مع نهاية هذا الشهر. وكلف مجلس الأمن الأمين العام للأمم المتحدة، ومعه مبعوثه إلى المنطقة هورست كوهلر، بإعطاء تقييم واضح حول عمل البعثة، خاصة في ما يتعلق بقدرتها على الحفاظ على السلم والأمن في المنطقة، وإعطاء روح ودينامية جديدتين للعملية السياسية، خاصة أن الولايات المتحدة هي أكبر مانح وداعم لها، وربطت دعمها المالي بمدى التقدم السياسي في العملية.

لذلك فدعوة كوهلر محكومة بهذه المعطيات، وقد تكون خاضعة لضغط من طرف الرؤية الجديدة للإدارة الأمريكية، لذلك يريد تقديم عرض سياسي ينقذ به، ليس العملية فقط، لكن مهمته كمبعوث إلى المنطقة.

لذلك وجب تقديم هذه الإشارات عن الدعوة: كوهلر تقدم بمقترح لإجراء مشاورات (هكذا سماها) بين مختلف أطراف النزاع المفتعل حول الصحراء، مقترحا أواسط دجنبر المقبل كأجل لإجرائها في جنيف. ويبدو أنه وقع خلط في التناول الإعلامي داخليا، إذ تتحدث أغلب التقارير الصحافية عن مفاوضات؛ والأمر لا يتعلق بدعوة، بل بمقترح سيتم تقديمه وسيكون خاضعا للنقاش في مجلس الأمن، وسنرى هل سيقدم المجلس جدولة زمنية محددة كما اقترح كوهلر، أم سيتقدم بتوصية لإجراء مشاورات وتقدم في العملية السياسية، غير مقرونة بآجال محددة، كما هو الحال في القرار السابق؟.

إن الأمر واضح، وهو الدعوة إلى مشاورات وليس مفاوضات، لأن الآثار المترتبة، خاصة على المستوى السياسي، مختلفة بينهما، فالمشاورات لا تكون ملزمة بالخروج بأي توصيات أو إجراءات ملزمة للطرفين، على عكس المفاوضات التي يجب أن تنتهي في نقطة معينة. لذلك وجب التوضيح أن الأمر يتعلق بالدعوة إلى إجراء مشاورات وليس مفاوضات.

اقترح كوهلر تنظيم مشاورات يجلس إلى طاولتها المغرب والجزائر وموريتانيا ثم الجبهة، وكان سابقا يقترح حضور الجزائر وموريتانيا بصفة ملاحظ. وإن نظمت هذه المشاورات ستكون الأمم المتحدة اقتنعت بضرورة جلوس باقي الأطراف، خاصة الجزائر، كطرف رئيسي وأساسي في أي معالجة، وهي استجابة للرؤية والمقترح المغربي، إذ ظل المغرب، على لسان مختلف مسؤوليه، يؤكد أن الحل السياسي والتقدم في العملية لن يكون إلا بانخراط الجزائر، باعتبارها صاحبة المصلحة الفضلى في هذا النزاع، فهي محركته والفاعلة في خيوطه؛ بل إن تحركاتها الدبلوماسية تعتبر ملف الصحراء نقطة رئيسية وأساسية في أجندتها وعملها الدبلوماسي، وما تحركات وزير خارجيتها الأخيرة في مجلس الأمن إلا دليل على أن الطرف الرئيسي في النزاع هي الجزائر وليست البوليساريو.

ليست المرة الأولى التي يقدم فيها كوهلر مثل هذا المقترح، فقد سبق أن قدم مقترحات مماثلة، وسبق أن جرت مشاورات التقى فيها كوهلر بأطراف النزاع بشكل منفرد وفي أماكن مختلفة، كانت خلاصتها أن هناك تباعدا كبيرا في وجهات النظر. وأمام اختلاف الرؤيتين يكون البحث عن تقريب وجهات النظر أمرا مستحيلا، لأن البوليساريو متمسكة بالحل المتجاوز، المتمثل في استفتاء تقرير المصير، والمغرب يعتبر الحكم الذاتي الأرضية الوحيدة القابلة للنقاش، وهي فعلا الحل السياسي الوحيد الذي يستجيب لطموحات الجميع، كما لا يتشبث بخطوطها بشكل أرثدوكسي، بل يعتبر خطوطها العريضة أرضية قابلة للنقاش والتفاوض، وهو ما يفرض على كوهلر أن يكون واضحا في جدول أعماله، وأن تكون أي مشاورات أو مفاوضات في حال تطورت الجلسات وانعقدت منطلقا من أرضية الحكم الذاتي، باعتبارها أرضية صالحة للنقاش والتشاور والتفاوض.

الأمر مجرد اقتراح لم تتم مناقشته من طرف مجلس الأمن، ولم يرفع بعد من طرف الأمين العام الذي ننتظر تقريره، وإن كان سيتم تنسيق بينهما. لكن الأمر سيكون خاضعا للنقاش في مجلس الأمن، وباقتناع أطرافه، خاصة الأعضاء الدائمين، بهذا المقترح وبقدرته على حلحلة الملف، خاصة أن كوهلر لم يقدم في مقترحه رؤية مكتملة، بل تحدث عن اقتراح إجراء مشاورات، دون تحديد أي سقف وأي محتوى وأفق، ما يجعل مقترحه غير كامل، وتنقصه عناصر أساسية تشجع الأطراف، خاصة المغرب، على القبول بهذا المقترح. وهنا قد ينصب النقاش داخل مجلس الأمن، وعلى المغرب أن يكون حاضرا من خلال أصدقائه، فرأي الدول الأعضاء مهم أثناء مناقشة تقرير غوتيريس واستصدار قرار جديد.

الأمم المتحدة ليست منشغلة بموضوع المشاورات، رغم أهميته القصوى، بل موضوع تقرير غوتيريس، والقرار المقبل سيكون مركزا في الكثير من مضامينه على عمل المينورسو وقدرتها على القيام بعملها وضمان عدم تكرار البوليساريو لاستفزازاتها، سواء في المنطقة الشرقية أو النقطة الحدودية الكركارات، لأن تصرفاتها الاستفزازية السابقة كادت تشعل المنطقة. لذلك فقرار مجلس الأمن سيكون مكملا للقرار السابق، خاصة في شقه المتعلق بولاية المينورسو، التي أصبحت محط نقاش حتى من الدول المانحة، وعلى رأسها الولايات المتحدة.

وحتى لو تضمن قرار مجلس الأمن توصية "مشاورات"، فالأمر خاضع لرغبة أطراف النزاع ولرؤيتها، وهو ما صرح به كوهلر، إذ لا يمكن إلزام أي طرف بأي حل، خاصة المغرب، الذي سبق أن أكد أنه قدم تصورا واضحا حول المفاوضات، وأكد على عناصرها الملك محمد السادس في خطابه الأخير، وإن كانت الجبهة سارعت إلى قبول إجراء هذه المشاورات فلأنها تبحث عن اعتراف مغربي سياسي بها، والمغرب، على عكسها، كان ومازال يرفض الدخول في عملية سياسية عبثية، تكون مخرجا للأزمة السياسية للبوليساريو وليس للنزاع، وهو ما يجب على المغرب التشبث به، خاصة من الناحية السياسية