رأي

حفيظ الزهري: واقعة يتيم والمدلكة والمراجعة الفكرية للعدالة والتنمية

كفى بريس

أن تكون رفقة خطيبتك في أحد أهم شوارع باريس متمسكا بيدها فهو أمر عادي بالنسبة للذين يقدسون ويؤمنون بالعلاقات الإنسانية بعيدا عن سلطة الحرام والحلال، لكن لما يتعلق الأمر بشخصية عمومية وليست عمومية فقط، لما كانت وظلت تثيره من نقاش وجدال عقب أي لقاء إعلامي أو جماهيري لينضاف عليه اللقاءات السرية البوليسية فإن الأمر لم يعد عاديا.

سأتعفف عن مناقشة ما هو شخصي في واقعة الوزير يتيم والمدلكة ليس خوفا أو مجاملة لأحد وإنما لما للواقعة من آثار كبيرة تهم الشعب بأكمله وتحتاج للتوضيح والمزيد من النقاش،حيث أن المتتبع للنقاش الداخلي الذي أفرزته الواقعة، سيلاحظ أننا اليوم أصبحنا أمام  منعطف وتحول كبير في قناعات  العديد من قياديي الحزب الإسلامي الحاكم في المغرب وحتى من داخل ذراعه الدعوي والذي يعتبر السيد يتيم أحد قادته التارخيين.

قبل الحديث عن هذا التغير الكبير أو الإنقلاب في قناعات جزء كبير من حزب العدالة والتنمية، لابد من الرجوع للواقعة والظروف المحيطة بها، وانطلاقا من لسان الفاعل حتى لا نتهم بالزور والفسق، الواقعة في رمضان شهر العبادة والصيام شهر التراويح وقيام الليل وليس شهر التجوال والتبضع  من أسواق باريس -انطلاقا من ظاهر مبادىء الرجل لأن الباطن الله أعلم به ولست ضد الحرية وأناقش من قناعاته- والخطبة حسب قناعاته دائما لها تفسير وحيد في الدين الإسلامي وهو أنها وعد بالزواج وليست زواج واللقاءات الثنائية تكون بمحرم، لأنه كلما التقا رجل وامرأة فالشيطان ثالثهما وخاصة في ليالي باريس، واللقاء تم قبل بداية إجراءات الطلاق من الزوجة، ويبقى الأهم بالنسبة لي في هذا الموضوع هو زاواج الزعيم النقابي والحركي والحزبي من فتاة خارج هذه التنظيمات الثلاث وبدون حجاب وهذا ما قلت أنه أثر بشكل كبير على النقاش الداخلي قبل الخارجي لحزب العدالة والتنمية.

هنا سأكون واضحا مع نفسي قبل أي شخص آخر، فانطلاقا من قناعاتي سأقول للسيد يتيم خطيبته الله إسخر، وتمنياتي لهم بالرفاهية والبنين، ولهذا تجنبت الكلام في الموضوع منذ ظهوره للوجود، لكن خرجة السيد يتيم استفزتني  ودفعتني لأدلي بدلوي في الموضوع لكن من وجهة أخرى وعبر طرح تساؤلات قد أجد الإجابة عنها في الأيام المقبلة أو الشهور أو السنين المقبلة لأن الأمر أصبح نقاش مفتوح داخل حزب العدالة والتنمية واقعة يتيم فجرته.

" أننا في حاجة إلى مراجعة عدد من التصورات المحكومة بالنزعة الطائفية أو الانتماء الحركي أو السياسي، وكذلك فعل الإسلام والمسلمون على تاريخهم حين تحولت علاقات المصاهرة إلى التقريب بين الديانات والطوائف والقبائل والشعوب.... أن مسالة الحجاب التي كانت مرتبطة فيما سبق في الأصل بالانتماء التنظيمي أو الحركي لم تعد كذلك، كما أنها لم تعد كما كانت من قبل معيارًا للتدين والالتزام الأخلاقي، دون أن أعني بذلك أنها ليست عنوانا لها بالنسبة لمن يرتدينه اقتناعا وإيمانا. وهذه مسالة عامة" الكلام هنا للسيد يتيم وهو يشرح واقعة باريس لموقع إلكتروني.

دعوة السيد يتيم لإعادة النظر في العديد من تصورات التي وصفها بأنها محكومة بالنزعة الطائفية... يتضح أن حزب العدالة والتنمية يعرف نقاشا داخليا وليس على قلب واحد خاصة بعدما حاول الفصل بينه وبين ذراعه الدعوي حركة الإصلاح والتوحيد خلال مؤتمرها الأخير والذي يظهر ظاهريا أنه تم ولكن باطنيا لم يتم، هذا النقاش تطور بالدعوة إلى مراجعة العديد من التصورات والقناعات التي ظلت تؤطر مسار الحزب منذ تأسيسه وهو نقاش محمود قد يكون من نتائجه فصل الديني عن السياسي، وهذا ما يلاحظ من خلال تدوينات العديد من القياديين والمناضلين على المواقع الإجتماعية حيث أثير نقاش قوي اصطف من خلاله صفان: أولهما محافظ يرفض أي تغيير على خط الإنطلاقة وغالبيته  محسوب على تيار بنكيران، والثاني يكتفي بسياسة التبرير وإيجاد الأعذار لأن للحدث علاقة بوقائع سابقة مماثلة حصلت لقياديين في الحزب والحركة، وهذا يدفعنا للتساؤل هل لهذا النقاش دوافع شخصية ربما للتغطية على أخطاء شخصية لبعض القادة يعلمون أن كشفها مسألة وقت فقط؟ أم أن الأمر يتعلق بنقاش فكري محمود قد ينتج عنه الخروج القناعات جديدة تتلاءم مع الوضعية الحالية للحزب كقائد للحكومة وقد يكون مناسبة للفصل بين ما هو سياسي وما هو ديني؟؟

في اعتقادي إذا استمر النقاش بهذه الطريقة فإننا مقبلون على صورة جديدة حداثية لحزب العدالة والتنمية المغربي قد تنهي ذلك الإرتباط الخارجي وتعيده للمغربة التي بدأ يفتقدها، وإلا سيعرف إنفجار داخليا قد يضعف قوته الميدانية خاصة بعد توالي الفضائح الأخلاقية داخله.