رأي

عادل الزبيري: الألم يولِّد الأمل

كفى بريس

أكتب وتتوقف سريعا الكلمات عندي، أشعر بأن الوقت بطيء جدا، والعبارات لا تصل بسهولة، كأن الزمن عندي شخصيا يتوقف، لأشعر بالألم يجتاحني، بقساوته المعتادة

يستسلم النعاس فيهرب بعيدا عني، يبحث عن الراغبين في ركوب قطاره، أسلم تذكرتي لمسافر آخر؛ لأن انتفاخا قياسيا في ركبتي، حولني لشبه مجنون لأكثر من أسبوعين، بدون نوم ولو غفوة هاربة

تعبت من الانتظار في قاعة باردة جدا، انتهاء فحص دقيق بجهاز الراديو الدقيق IRM، فوجدت نفسي وحيدا، يقشعر بدني بردا، أنصت لأنفاسي، يزعجني صوت طنين حاد، وأغرف في إنصات لأفكار تمارس زحمة مرور في رأسي، وصورا بلا حساب عددي، تمر أمامي

ففي لحظات الضعف البشري يتوجب الاعتراف بأن الجسم البشري لغز محير، فالطب البشري يبقى محدودا والطبعلم بشري يتغير ويتطور ولكنه يعجز أيضا

وصلت الساعة الخامسة صباحا ولم أنم بعد، النوم أصبح بعيدا جدا، لأن رنين الألم لا يتوقف في إرسال حزم متتاليات تشبه آلة ثقب الجدران أو لعلها آلة تضغط على ركبتي بقوة لتخرج روحي

قلبت جميع وضعيات الاسترخاء، ذابت كل كمادات الثلج عندي، في ليلة خريفية، في يوميات وليالي أزمة صحية جراء مرض احتكاك المفاصل

يرن هاتف الألم بإصرار، يرسل حزم رسائل من الألم الشديد، تنتهي عبارات المناجاة، ويبقى الصبر وحيدا يصارع معي، لعل وعسى ركبتي اليمنى تتنفس الصعداء مع خيوط الصباح الأولى

أسمع من في الدار، استيقظوا أخيرا بعد نوم متواصل لبداية يوم جديد، بينما ليلي لم ينتهي بعد صراع مع مد الألم الجارف، تعبت ولكن لا بديل أمامي إلا الصبر والصمت والتمسك بالأمل الذي يلده الألم

نظرت إلى ركبتي وجدتها في مكانها، الكمادة المجمدة انتهى مفعولها العابر، ولكنه مخفف ولو قليلا، من ألم يخنق الأنفاس، ويزرع اليأس، ويضيق الأفق

ففي مواجهة الألم، لا يبقى أمامي إلا زراعة الأمل، ولو في صحراء يأتيها المطر نادرا، ففي الحياة تعلمت أن اليأس موجود ليطارد إلى أن يغادر الروح والجسد والقلب والعقل

يتعب السرير من رقادي لساعات تطول لأيام، ولكن الراحة الميكانيكية للجسد، ضرورة طبية، لأن إراحة الجسد أحد السبل الآمنة للتخفيف ولو القليل من الألم، على ركبة انهارت مقاومتها

ويبقى المرض مرافقا للإنسان من ولادته، يرغب الطبيب  في أن يمرض الرضيع الذي كنته أنا أيضا، قبل سنوات، لتتطور مناعته

كبرت فظهر عندي مرض مزمن اسمه احتكاك المفاصل وخشونة المفاصل

ولا يمكن إنكار أن المرض ينزل من السماء من كتاب محفوظ اسمه القدر، يصيب الإنسان لاختبار المناعة، ولامتحان الصبر، ولنسج خيوط الابتلاء

فكل شيء يأتي في سياق صناعة النهاية من طريق طويلة، ليسرع بعض محطاتها المرض

في أسوأ لحظات مجابهة المرض، يحتاج الإنسان لوسائل اتصال مباشرة، بدون واسطة، بمن يؤمن به

أعترف أن المرض أصبح من يومياتي حياتي، لأني مؤمن بحكمة ثنائية بنيت عليها الحياة، الألم لتعرف قيمة الأمل، والمرض لتعرف قيمة الصحة

لا زلت كائنا بجسم ضعيف، لأن الجانب الفيزيائي يمكن أن ينهار نهائيا ليعيد بناء ذاته من جديد، بينما الجانب اللامادي في جسدي وروحي متين صلب لا ينهار بسهولة، أنحني مثل الخيزران أمام العواصف، ولكنني أواصل حياتي

علمتني محنتي الصحية أن أحفر في صخور الأمل مسيلات صغيرة يجري فيها الأمل