فن وإعلام

ماذا تنفع "طهارة" الفكر إذا كان الجسد عاهرا؟

إدريس شكري

تثير قضية توفيق بوعشرين واطلاع فئات واسعة من الرأي العام على جزء من تقرير الخبرة المنجزة في الملف، حول الفيديوهات موضوع شكايات المطالبات بالحق المدني، هذه الأيام زوبعة من التساؤلات حول شرعية اطلاع الغير عليها.

 

وبالنظر إلى حساسية الملف الذي يعج بالمواد المصورة ذات الطابع الأخلاقي، متهم فيها كاتب صحفي شهير بمقالاته "التربوية" والسياسية الأخلاقية للدولة والمجتمع والأحزاب وغيرهم، فقد صار هناك تعطش جماهيري للاطلاع على حقيقة الأدلة التقنية المادي للنازلة، من أجل المساهمة الشعبية في إقرار الحكم العادل في حقه، حتى لا تظل القضية حبيسة مطالب ودفوعات داخل قاعة الجلسة و حبيسة تصريحات دفاعه التي تبين كثيرا أنها ليست دقيقة وليست صادقة. 

 

محامو بوعشرين يتعاملون معه كزبون ويتعين عليهم الدفاع عنه كيفما كانت الأحوال طبقا لأعراف وتعاقدات المهنة، غير أن الرأي العام تهمه الحقيقة أمام حجم الاتهامات والاتهامات المتبادلة حول مضمون الخبرة التقنية التي أنجزها مختبر للدرك الملكي وفق المعايير العلمية والتقنية المتعارف عليها دوليا على مستوى التقنية التكنولوجية وعلى مستوى احترام المساطر القضائية.

 

في هذا السياق خرج عدد من مناصري بوعشرين و بعض دفاعه ليصوروا للعموم أن المجتمع والرأي العام والإعلام ليس لهم الحق في الإطلاع على تقرير الخبرة. ولهذا الغرض استعملوا مصطلحا "مخابراتيا" بشكل محتال. استعملوا مصطلح "تسريب"، الذي يوحي بوجود سوء نية وبوجود أيادي تلصصت على الملف وأخرجت جزءا منه ضدا على القانون والمساطر والأعراف. والواقع يقول أن هذا ليس تسريبا وإنما اطلاع علنيا طبقا للقانون.

 

وفي إطار الخبرات، هناك كم هائل وأنواع متعددة منها. هناك الخبرات المكتوبة في مواد العقار ومشاريع القسمة العينية مثلا، هناك خبرات مدنية حول العقود والبيوع والأكرية، هناك أخرى طبية متعلقة بحوادث السير والعجز، خبرة ترجمة مباشرة أمام المحكمة او مكتوبة، أخرى مرتبطة بالحسابات والمعاملات المالية إلى غير ذلك. كلها تقارير ينجزها خبراء متخصصون محلفون معتمدون لدى مختلف محاكم المملكة، أو ذوي المعرفة والعلم عند عدم وجود خبير، شريطة أدائه اليمين أمام المحكمة. في المادة الجنائية وطبقا للمادة 208 من قانون المسطرة الجنائية، تودع تقارير الخبرات لدى كتابة ضبط المحكمة المعنية ثم يعرض القاضي هذه التقارير على الأطراف في الملف، سواء مشتكون أو مشتكى بهم أو أطراف متدخلة في القضية ومطالبة بالحق المدني، قصد إبداء ملاحاظاتهم و مستنتجاتهم حولها، وقد يصادف أن يطلع عليها أي زائر للمحكمة أو متقاض ينتظر المثول أمام نفس المحكمة. عندها لا تتمتع الخبرة بأي ضمانة قانونية أو عرفية أو مسطرية الحماية من اطلاع آخرين عليها. بمعنى ليست هناك أي ضمانة لجعلها سرية ببساطة لأنها مجرد إجراء يساعد القاضي والأطراف على تموين قناعة يمكن اكمالها بخبرة أخرى ويمكن إلغاؤها والأمر بأخرى جديدة ويمكن استدعاء الخبير لمزيد من التصريحات العلنية في الجلسة العمومية لمزيد من التوضيح والتفسير. 

 

خرجات بعض محاميه من أجل توصيف هذا الاطلاع القانوني العادي على الخبرة بكونه تسريبا قد تكون وراءه جهات ما حسب إيحاتهم، إنما هي محاولة لزرع شعبوية قانونية أمام جهل الناس بالقانون والمساطر، وهي محاولة لمزيد من تسييس الملف ليس إلا.

 

وبما أن خبرة ملف بوعشرين هي خبرة تقنية عالية التكنولوجيا ورفعا لكل تشكيك أو شبهة، فاللأطراف الحق في أن يطلعوا متى يشاؤون عليها للتعقيب والبحث في تقنيات الخبرة، وليس هناك أي مانع قانوني لجعلها سرية امام جمهور كثيرا ما أولع بقلم كاتب ادعى العذرية الفكرية تجاه الجميع، لذلك يطرح السؤال مرة أخرى: "ماذا تنفع طهارة الفكر إذا كان الجسد عاهرا".