رأي

الدولة ليست مسؤولة عن مصير مؤسسة بوعشرين لأنها لم تطلب منه تحويل مكتبه إلى مسرح يمارس فيه شذوذه على نساء مغلوبات على أمرهن

رضا الأحمدي

أخيرا ظهرت الخبرة العلمية للدرك الملكي في ملف توفيق بوعشرين، المتهم بالاتجار في البشر والاغتصاب والاستغلال الجنسي.
وأخيرا أكد العلم بما لا يدع مجالا لأي شك، أن الأشرطة القذرة، التي تم حجزها في مكتب صاحب “أخبار اليوم” وموقعي “اليوم 24” و”سلطانة”، صحيحة، ولا يأتي الزور أو الفبركة من خلفها ولا من بين يديها.
وفي هذا التأكيد العملي الدقيق رد مفحم لكل أولئك الذين كانوا يدعون أن جهات ما أرادت توريط المتهم في هذا الملف الخطير، وعلى رأسهم بوعشرين نفسه الذي سبق له أن ادعى بشكل مضحك أن من في الفيديوهات القذرة ليس هو بل شخص آخر ركبوا عليه رأسه هو !
ومع ذلك، ورغم قول الخبرة العلمية الفصيل، هناك بعض من سدنة المتهم الذين يحاولون عبثا إخفاء حقيقة الرجل القذرة، والتركيز على جانبه المهني الذي كان يخدع به الناس طيلة السنين الماضية.
إذ كان يرفعه في وجه الجميع كقناع براق بينما يقترف خلف أبواب مكتبه بمقر أخبار اليوم بالدار البيضاء، أبشع الجرائم في حق مستخدمات في مؤسسته، مستغلا حاجتهن وهشاشتهن لإرغامهن على الرضوخ لشذوذه.
نعم، مازال هناك من يصر على أن بوعشرين يستحق السراح المؤقت رغم أنه متهم بجرائم خطيرة تصل عقوبتها إلى 20 سنة، بل إلى 30 سنة لأن بين ضحاياه حامل لم يرحم جنينها.
ويبررون كلامهم بكون المؤسسة الإعلامية التي كان يشرف عليها المتهم باتت على شفا الهاوية، وبكون مصير أكثر من 100 مستخدم بها صار على كف عفريت، وأن خروجه من السجن هو المخرج الوحيد لإنقاذها من الانهيار !
هذا المبرر الكاذب يدفع به محامو وحواريو المتهم، ومن كان ولي نعمتهم إلى ماض قريب.
ولا يحتاج المرء إلى كثير ذكاء ليستنتج أن بوعشرين هو الذي أوعز لهم على الأرجح بتجريب هذه الكذبة الجديدة.
فهو مستعد للمتاجرة بكل شيء، بمن فيه المستخدمون في مؤسسته، الذين لا تربطه بهم سوى علاقة شغل بحثة، وإقحامهم في قضيته القذرة.
فلو كان هذا الرجل يهتم حقا بمصير من يشتغلون في مؤسسته، لما أقدم على استعباد بعض مستخدماته، ولو كان يقيم أدنى قدر من التقدير لهم، لما اقترف ما اقترف من شذوذ واعتداءات جنسية في مكتبه وفوق تلك الكنبة القذرة، على بعد أمتار قليلة من هؤلاء المستخدمين.
لماذا لم يفكر المتهم في مصير هؤلاء المستخدمات لما استعبدهن وابتزهن وأخضعن عنوة لشذوذه القذر، بل وفوق كل هذا وثق هذه القذراة بالعشرات من الفيديوهات؟.
إن الدولة ليست مسؤولة عن مصير مؤسسة المتهم كما يروج البعض، لأن ليست هي التي أوعزت له بأن يقترف جرائمه في حق الضحايا، ولا هي التي طلبت منه تحويل مكتبه بكنبته القذرة إلى مسرح يمارس فيه شذوذه على نساء مغلوبات على أمرهن.
إن اللعب على الحبال لن يجدي المتهم ولا من كان وَلِيَ نعمتهم، ولن تنطلي الحيلة الجديدة على هيئة الحكم التي تتمتع بما يكفي من التجربة والحنكة لتدرك أن تمتيع شخص متابع بهذه التهم الخطيرة جدا غير ممكن لأن فيه ظلم كبير للضحايا، وخطورة حتى على المتهم نفسه.
فيبدو أن محامي وحواري المتهم ينسون، أو بالاحرى يتناسون، أن للضحايا أهل وإخوة وأزواج قد يؤولون هذا السراح المؤقت المفترض تأويلا سيئا وقد يفكرون في القصاص من الذي اعتدى على أعراضهم. فهل يسعى هؤلاء المحامون والحواريون والآخرون الذين كان بوعشرين ولي نعمتهم إلى خلق مآسي أخرى تنضاف إلى المآساة الكبيرة التي تسبب فيها المتهم؟
إن كانوا هم يستخفون بهذا الأمر، فهذا شأنهم. أما هيئة الحكم فتتمتع بما يكفي من الحكمة والبصيرة لتدرك الخطورة الكبيرة التي قد يكتسيها منح السراح المؤقت لمتهم مثل بوعشرين متابع بالاتجار في البشر والاغتصاب والاستغلال الجنسي في حق العديد من الضحايا وليس ضحية واحدة.
وبما أن هذه البلاد لا يعوزها العقلاء ورجال الدولة الذين ينتصرون للحكمة والعقل، فإنهم لا شك سيصرون على أن تسير محاكمة بوعشرين قدما، وأن يتوقف دفاع المتهم عن عرقلة الجلسات، ليقول القضاء كلمته في هذا الملف الذي طال أكثر من اللازم، لينال كل طرف ما يستحق (للمذنب العقاب وللضحية حقوقها) وفقا للقانون المغربي.