قضايا

دَلاَلاَتُ ثَـوْرة المَلك والشَّعْب

عبد الرحمان شحشي

اعتبر الحسن الثاني أن المغرب عرف ثورة واحدة هي "ثورة الملك والشعب" ضد الحماية الفرنسية، أمـا ما سوى ذلك فيصفه بـ"الفوضى" و"الشغب" و"الفتنة"، معتبرا أن الثورة اندلعت من القصر نتيجة نفي رمز الأمة محمد الخامس، ومنذ ذلك التاريخ وهذه الثورة شعلة مستمرة ومتجددة، حيث لم ينحصر هدفها في الضغط لعودة الملك من المنفى وتحقيق الاستقلال، ولكن كذلك لتحقيق الإقلاع الاقتصادي والتطور الاجتماعي، "فالثورة التي اندلعت شراراتها من القصر... لم تكن تستهدف السيادة القومية فقط، بل كانت ترمي إلى أبعد من ذلك وأعمق، وإذا كان تحقيق الاستقلال السياسي هو أبرز أهدافها وأكثرها ترددا... فلأنه هو الوسيلة التي تسبق ما عداها لتحقيق بقية الأهداف... فالثورة إذن مستمرة والمعركة متواصلة...".

وعليه، أعطى الحسن الثاني مفهوما هادئا للثورة بعيدا عن المعاني الحماسية الراديكالية التي علقت بالأذهان قائلا: "ثورتنا الديمقراطية تحقق نتائجها في صمت وإصرار، تلك الثورة التي اتخذت من عدم الإعلان عن نفسها أسلوبا طبعها وميزها، واستبعدت عنها التهريج والتلويح بالشعارات، وإيمانا منها أن ليس أجدى للعمل من مداومته..."، فالثورة عند الملك ليست آنية ومنتهية كالعاصفة، وإنما مستمرة ودائمة كنهر لا ينضب معينه.

وإذا كان الملك الراحل اعتبر الثورة مستمرة ودائمة، فإنه قام سنة 1964 بتأميم الصادرات للخارج، حيث قال: "قررت أن نقوم بعمل ثوري بالنسبة لتجارتنا، وهو أن أؤمم جميع صادراتنا للخارج... حقيقة أنه كان من الضروري أن ننصف المغرب أولا، ثم ننصف الطبقة الكادحة ثانيا، وكان من الواجب قبل أن نقوم بأي ثورة جذرية في عملنا أن نوجد لها الوسائل...".

وعليه، فإن الملك حوَّل الثورة من مفهوم للهدم إلى مفهوم للبناء ومحرك للنهضة الاقتصادية والاجتماعية، حيث يستفيد الجميع من التوزيع العادل للثورة، وعدم ترك مجموعة قليلة تحتكر الخيرات. وعليه يقول الحسن الثاني: "ثرنا بالأمس لاسترجاع سيادتنا وكف الأيدي الأثيمة التي امتدت إلى أقدس مقدساتنا، ونثور اليوم لمحاربة... ومقاومة الأنانية واللامبالاة وانعدام الضمير... وإيثار المصلحة الخاصة على المصلحة العامة عند بعض الناس... إن الروح التي حفزتنا... على الثورة على الاستعمار هي التي حفزتنا اليوم على الثورة على الفساد... وتقود خطانا لحماية مكاسب ثورة الملك والشعب وصون مبادئها... وإن من الانحراف عن مبادئ تلك الثورة المباركة أن تكون مغانم الاستقلال بيد طائفة من المحظوظين... وإننا، نحن المسؤولين عن مصير أمتنا، بادرنا عندما رأينا عوارض هذا الانحراف إلى الثورة عليه...".

ولبناء دولة حديثة كان على الملك أن يقوم كذلك بثورة على العقليات القديمة، حيث يقول: "نعتبر العمل الذي نحن مقبلون عليه عملا ثوريا... بمعنى تغيير في الأساليب، تغيير في التفكير، تغيير في المقاييس...".

وميز الحسن الثاني بين "الثورة" و"الفتنة" قائلا: "مع الأسف... توجد بعض الدول تخلط بين الثورة والفتنة! أنا لست مع الفتنة، الفتنة يمكن القيام بها بمسدس واحد، أما الثورة فهي عمل يومي.... الثورة لا تنحصر في إنسان ولا في جيل ولا كتاب، ولكن هي قبل كل شيء عقيدة، لأنها عمل مستمر للتجديد...".

وإذا كان الحسن الثاني قد ميز بين الثورة والفتنة فإنه يميز كذلك بين "الثورة" و"الانتفاضة"، مصرحا أنه قد "يتسرب إلى الذهن أن الثورة والانتفاضة شيئان مترادفان فأقول لا، الانتفاضة محدودة في الزمان والمكان، والثورة لا حد لها ولا ساحل، حيث إنها عمل يومي مستمر...".

كما ميز الحسن الثاني كذلك بين "الثورة" و "حركات التحرير" لأنه إذا كان هناك من يقول إن ما حصل في كوبا وفيتنام والجزائر ثورات، فإن الملك يرى أن "هذه ليست كذلك بالمعنى الصحيح، لأنها حركات تحرير، والفارق الكبير هو أن الثورة الحقيقية تنبع من محتوى إنساني يغير الواقع ويقلبه رأسا على عقب، وهكذا فعلت أبر ثورتين في التاريخ: الثورة المسيحية والثورة الإسلامية... أما الثورات التحريرية فقد اهتمت بحاجة الإنسان إلى التحرر من الاستعمار...".

وعليه، فثورة المغرب يقول الملك "ليست كالثورات... إنها ثورة سلمية غير دموية... وذات استمرارية، وبالتالي ذات مردودية".

والثورة، حسب المنظور الملكي، تنطلق من القصر لخدمة الشعب، وهكذا اعتبر الملك التناوب – التوافقي "ثورة جديدة... ضد المشاكل... ضد كل شيء يعوق تقدمنا حتى لا نقع... في ذلك النوع من الصدمات، التي إذا لم تكن مفاجئة لا تترك فرصة للتراجع إذا ما بدأ الانزلاق...".