قضايا

الأمازيغية والعنصرية العادية

محمد بودهان

مفهوم "العنصرية العادية":

إذا عاملت السلطات المغربية مهاجرين أفارقة من ذوي البشرة السوداء، باحتقار ينتقص من قدْرهم ويحطّ من كرامتهم كأَناسِيِّ (جمع "إنسان") بسبب لون جلدهم، فسيكون ذلك التعامل سلوكا عنصريا يرفضه المغاربة ويستهجنونه رغم أن ضحاياه ليسوا مغاربة. وقد تُصدر جمعيات حقوقية بيانات تندّد فيها بهذا السلوك العنصري إذا ما أصبح ظاهرة شائعة وليس فقط حالات معزولة ومحدودة. فهل تعامُل الدولة المغربية مع مواطنيها، من ذوي البشرة السوداء، يخلو من أي تمييز عنصري؟

للجواب عن هذا السؤال نذكّر، على سبيل المقارنة، أن الإشهارارت لا تخلو في فرنسا من إظهار شخص أسود البشرة يستعمل المنتوج موضوع الإشهار، وأن كل القنوات التلفزية تتوفر على مقدمات ومقدمي برامج ونشرات أخبار سود البشرة، كما أن الأفلام التي يُنتجها هذا البلد تعجّ بممثلين فرنسيين ذوي بشرة سوداء. ونضيف أن امرأة سوداء البشرة هي وزيرة للرياضة في الحكومة الفرنسية الحالية (نحن في غشت 2018)، وهي السيدة Laura Flessel "لورا فليسّل". وفرنسا، كما هو معروف، دولة أوروبية وليست إفريقية. وبالتالي فلو لم تعامِل مواطنيها السود القلائل، ذوي الأصول غير الفرنسية، كما تعامل الأغلبية البيضاء ذات الأصول الفرنسية، لما كان في ذلك جُناح عليها.

وفي المغرب، البلد الإفريقي الذي يشكّل فيه ذوو البشرة السوداء، المنحدرون من جذور مغربية أصلية، نسبة مهمة من السكان، كم لدينا من وزراء سود البشرة في حكومتنا؟ ربما لا أحد. كم لدينا من مقدمة ومقدم برامج ونشرات أخبار تلفزيونية سود البشرة؟ ربما لا أحد. كم لدينا من ممثلة وممثل سينيمائي ببشرة سوداء؟ ربما لا أحد. كم من مرة عرضت فيها إشهارات تلفزيونية منتوجاتٍ أو موادَّ استهلاكية يستعملها مغربي أسود البشرة؟ ربما لا مرة واحدة. ماذا يعني غياب ـ بل تغييب ـ المغاربة ذوي البشرة السوداء من المناصب الوزارية، وحرمانهم من الظهور التلفزيوني والسينمائي والإشهاري؟ أليس هذا تمييزا عنصريا، صريحا وواضحا، تجاه هذه الفئة من المواطنين بسبب لون بشرتهم؟ ورغم ذلك فيبدو أن المغاربة، وعكس موقفهم من التعامل العنصري مع مهاجر إفريقي، راضون عن هذا التعامل العنصري مع المغاربة ذوي البشرة السوداء. وحتى الجمعيات الحقوقية المغربية لم تحرّك ساكنا بخصوص هذه الظاهرة، ولم تُصدر بيانات تندّد بإقصاء المغاربة ذوي البشرة السوداء من شغل المناصب الوزارية، ومن العمل كمقدّمين لنشرات الأخبار في التلفيزيون، ومن المشاركة في التمثيل السنيمائي... لماذا؟

لأن هذا التعامل، الذي من الصعب إنكار دوافعه العنصرية عندما نبحث في أسبابه وخلفياته، يتخذ شكل "عنصرية عادية"، أي تلك العنصرية التي فرضتها العادة والممارسة حتى أصبحت مقبولة كسلوك غير عنصري. وعندما نقول "مقبولة"، فمعنى ذلك أن المجتمع، بما في ذلك ضحايا هذه العنصرية، ينظر إليها كتصرّف سليم بعيد عن أية عنصرية. ويمكن، قصد التوضيح والتبسيط، مقارنة هذه العنصرية العادية بنظام الرقّ (العبودية) في الماضي، عندما كان الناس لا يستنكرون وجود عبيد يسترقّهم أناس مثلهم، يبيعونهم ويشترونهم كأية بضاعة تخضع لقانون العرض والطلب. ولهذا نجد أرسطو، وهو الفيلسوف الذي عرف بكتاباته حول فكرة الحق والعدالة، يعتبر العبد من أدوات الإنتاج مثله مثل المحراث أو البغل، دون أن يرى في ذلك ما يخالف مبادئ الحق والعدالة رغم كل نظرياته واجتهاداته بشأن هذا الحق وهذه العدالة. ونفس الشيء بالنسبة للإسلام الذي يقال بأنه جاء لتحرير الإنسان من العبودية لغير الله، لكنه لم يمنع ولم يحرّم الرقّ الذي ظل ممارسة مباحة في ظل الإسلام. فكما أن استرقاق الإنسان للإنسان كان يُنظر إليه في الماضي كممارسة عادية، سليمة ومقبولة، فكذلك العنصرية العادية هي تلك العنصرية التي لا يُنظر إليها على أنها عنصرية. ولهذا لا يندّد بها ولا يثور ضدها أحد.

العنصرية العادية تجاه الأمازيغية:

الغرض من هذا التوضيح لمفهوم "العنصرية العادية"، هو تبيان أن الأمازيغية هي ضحية هذا النوع من العنصرية، التي أصبحت تُمارس ضدها بشكل مألوف ومتكرّر ومقبول، بحكم العادة والممارسة وانتشار الوعي الأمازيغوفوبي، وهو ما لم تعد تظهر معه هذه العنصرية كسلوك عنصري قد يكون موضوع استنكار واحتجاج. وهكذا فرفض السلطات تسجيل مولود جديد باسم شخصي أمازيغي، يتكرّر في الكثير من الحالات دون أن يُعتبر ذلك الرفض سلوكا عنصريا ضد الأمازيغية، لأن هذا النوع من العنصرية، بحكم تكراره وممارسته المعتادة، أصبح عنصرية عادية، أي مقبولة كسلوك طبيعي لا علاقة له بأية عنصرية، ولا يثير بالتالي استنكارا ولا اعتراضا، وحتى عند البعض من ضحاياها. وعندما يُحتفى بالفنانين المغاربة المحسوبين على الغناء العربي ويُكرّمون في حياتهم وبعد مماتهم، ويُقصى الفنّانون الأمازيغيون ويُهمّشون في حياتهم ويُنسوْن بعد مماتهم، فلا يبدو هذا التعامل التمييزي بين الفئتين من الفنانين ممارسة عنصرية تستهدف ما هو أمازيغي. لماذا؟ لأن ما دام موضوع هذه العنصرية هو الفنان الأمازيغي، فهي عنصرية عادية، بمعنى أنها لا تُعتبر عنصرية على الإطلاق، لأنها تدخل في ما جرى به العمل، وفي المألوف المتعارف عليه. ونجد مثقفين ومسؤولين سياسيين مغاربة يُدينون ما تمارسه إسرائيل من تهويد للأراضي المحتلة بهدف إظهارها كأراضٍ ذات هوية يهودية، وذلك بتغيير الأسماء العربية الإسلامية بأسماء عبرانية وتوراتية، واصفين هذه السياسة التهويدية بالعمل العنصري المقيت. لكن غالبية هؤلاء المثقفين والمسؤولين السياسيين يؤيدون ـ ويدعون إليها ـ سياسة التعريب المتّبعة في المغرب، والرامية إلى إضفاء الهوية العربية على المغرب، وطمس هويته الأمازيغية الأصلية، معتبرين ذلك عملا وطنيا وتحرريا، به يستكمل المغرب سيادته واستقلاله. فلماذا، يا ترى، يكون التهويد عملا عنصريا في فلسطين، ويكون التعريب عملا وطنيا في المغرب، مع أنهما يرميان إلى نفس الهدف، وهو طمس هوية أصلية وفرض أخرى مكانها؟ لأن العمل على إماتة الأمازيغية بتعميم التعريب، العرقي والهوياتي والسياسي والإيديولوجي، لا يُنظر إليه في المغرب كنوع من العنصرية، بل يُعتبر مدعاة للفخر والاعتزاز.

وقد رأينا السيد محمد عبد النباوي، رئيس النيابة العامة والوكيل العام لمحكمة النقض، يجيب، في حوار له بالقناة الأولى بتاريخ 03 ـ 07 ـ 2018، على سؤال حول تعامل القضاء مع المتحدثين بالأمازيغية، (يجيب) أنه لا يوجد في المغرب من لا يفهم ويستعمل العربية، مؤكدا، عن قناعة وحسن نية، أنه وقف على ذلك من خلال اشتغاله كقاض في كل ربوع المملكة. وليس الخطير في جواب السيد النباوي أنه ينبني على انطباعات شخصية وذاتية، ويفتقر إلى معطيات علمية وموضوعية وإحصائية، بل الخطير فيه هو أن السيد النباوي مقتنع، وعن حسن نية دائما، أن مشكلة اللغة الأمازيغية تنتهي بانتهاء المتحدثين بها بعد تمكّنهم من استعمال العربية (المقصود الدارجة طبعا) بديلا عن الأمازيغية، بفضل انتشار هذه العربية. مع أنه حتى لو كان صحيحا أنه لم يعد يوجد أي مغربي يستعمل الأمازيغية عند تردّده على المرافق العمومية، فإن التشبّع بثقافة القانون وحقوق الإنسان تقتضي اعتبار هذا الواقع المفترض ليس حلا لمشكلة اللغة الأمازيغية، كما نفهم من جواب السيد النباوي، وإنما هو المشكلة المستعجلة الكبرى للغة الأمازيغية، والتي بجب إيجاد حل مستعجل لها بتعميم تدريسها الإجباري الموحّد قبل أن تموت وتنقرض بموت وانقراض آخر المتحدثين بها. لكن بما أن الأمر يتعلق بالأمازيغية، فإن مؤشرات نهايتها وانقراضها، بدل أن يُنظر إليها كناقوس يدقّ إعلانا عن الخطر المهدّد للغة الأمازيغية، يُعتمد كدليل على قرب انتهاء مشكل اللغة الأمازيغية. وهو ما يبدو، في إطار ثقافة العنصرية العادية، شيئا عاديا ومقبولا، لا يثير استنكارا ولا رفضا. فالعنصرية ضد الأمازيغية لا تكون فقط بالفعل، مثل المنع المباشر للناس من استعمالها وقمع المتحدثين بها، بل تكون بعدم الفعل، أي بعدم التدخّل لحمايتها واتخاذ الإجراءات الضرورية لترقيتها والنهوض بها.

هكذا يكون التعريب في المغرب، الذي يتخذ شكل تحويل جنسي قسري للمغاربة، يشكّل، رغم دوافعه التمييزية ومضمونه العرقي العنصري الذي لا علاقة له بظاهره اللغوي، عنصرية عادية، بالمعنى الذي شرحته. ولهذا يطالب به ويدافع عنه العديد من المثقفين والسياسيين والمسؤولين باعتباره تقدما وحداثة، في مقابل الأمازيغية التي يعتبرها هؤلاء المثقفون والسياسيون والمسؤولون، نتيجة للعنصرية العادية، من مظاهر التخلف والانحطاط والنكوص. وهذا ما يفسّر أن لا أحد من هؤلاء المثقفين والسياسيين يرى في تعطيل مقتضى دستوري يخص ترسيم الأمازيغية، لما يزيد عن سبعة أعوام، عملا عنصريا، ما دام يتعلق هذا التعطيل بالأمازيغية، أي بموضوع تكون فيه العنصرية عادية، لا يلام عليها أصحابها ولا يعاتَبون. ولهذا يقول رئيس مجلس النواب، السيد الحبيب المالكي، بمناسبة اختتام الدورة البرلمانية الربيعية للسنة التشريعية 2018، وتعليقا على عدم البت في القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، (يقول) بأن «التسرّع في إخراج قانون الأمازيغية له مضاعفات خطيرة على الهوية المغربية» (موقع "لكم2" بتاريخ 26 يوليوز 2018). وهذا يعني أن تنفيذ القرارات المتعلقة بالأمازيغية هي تسرّع غير محمود العواقب، حتى لو كانت هذا القرارات دستورية، وحتى لو كانت مدة إرجاء تنفيذها تُقدّر بسبع سنوات أو أكثر. أما مخاطرها المزعومة على الهوية المغربية، فلا يمكن أن تكون سوى ما يعتبره التعريبيون، والسيد المالكي واحد منهم، تهديدا للهوية العربية للمغرب بعودته إلى هويته الأمازيغية الأصلية. وهذا موقف عنصري من طرف "نواب الأمة" تجاه الأمازيغية. لكن بما أن الأمر يتعلق بعنصرية تستهدف الأمازيغية فهي عنصرية عادية ومقبولة. وللتذكير فأن صاحب هذا الكلام، السيد الحبيب المالكي، سبق له في أكتوبر 2003، أن صرّح للتلفزة المغربة، بشأن مشروع تدريس الأمازيغية الذي انطلق عندما كان هو الوزير المسؤول عن قطاع التربية والتعليم: «ليس لنا الحق في الفشل بخصوص تدريس الأمازيغية». وبعد إفشال هذا التدريس حتى اختفى نهائيا ولم يبق له أثر، عكس ما صرح به الوزير السيد المالكي، يطلق اليوم نفس السيد المالكي، وبعد خمسة عشرة سنة من الإعلان عن بداية تدريس الأمازيغية الذي أُميت واُقبر نهائيا، تصريحا مضادا للأول، مفاده، بمفهوم المخالفة، أن إفشال المشاريع المتعلقة بالنهوض بالأمازيغية ضروري لحماية الهوية العربية بالمغرب. مع أن الموقف السليم، وغير العنصري، يقتضي الاعتراف بأن «التأخر في إخراج قانون الأمازيغية له مضاعفات خطيرة على الهوية المغربية باستمرار الإقصاء لمكوّنها الأصلي والحقيقي الذي هو الأمازيغية».

عندما تُكلّف الذئاب بحماية الخرفان:

ارتباطا بمجلس النواب، نشير إلى أن الأمازيغية، منذ الاعتراف الملكي بها في خطاب أجدير بتاريخ 17 أكتوبر 2001، لم يسبق أن عرفت أسوأ وضع لها كذلك الذي توجد فيه منذ ترسيمها في دستور فاتح يوليوز 2011. لماذا؟ فرغم أن هذا الترسيم ظل يشكّل أم المطالب الأمازيغية، التي استجاب لها هذا الدستور، وهو ما صفّق له ورحّب به مناصرو الأمازيغية، إلا أن تقييد هذا الترسيم بقانون تنظيمي هو الذي جعل القضية الأمازيغية تعيش أسوأ مرحلة لها، ليس بسبب هذا القانون التنظيمي في حد ذاته، وإنما بسبب أن التقرير في شأنه يرجع إلى الحكومة وإلى البرلمان. وهذا ما جعل الأمازيغية في وضعية تشبه وضعية الخرفان التي تُسند حمايتها إلى ذئاب جائعة. فالحكومة، بسبب مكوناتها الأمازيغوفوبية التعريبية، الإسلامية والقومية، تبحث ليس عن الصيغة التي تفعّل بها ترسيم الأمازيغية، بل عن الصيغة التي تمنع هذا التفعيل، كما يظهر ذلك جليا من خلال مشروع هذا القانون التنظيمي رقم 26.16، والذي رأى النور في الأيام الأخيرة من ولاية الحكومة التي كان يرأسها السيد بنكيران، وهو المشروع الذي سبق أن بيّنّا أنه يهيئ لقانون تنظيمي لمنع ترسيم الأمازيغية (انظر موضوع "مشروع القانون التنظيمي لمنع ترسيم الأمازيغية" على رابط "هسبريس). أما بمجلس "نواب الأمة"، بأغلبيته التي لا تكنّ أي ودّ للأمازيغية، فإن هيمنة النزعة الأمازيغوفوبية بهذا المجلس تشكّل كابحا قويا لصدور قرارات برلمانية منصفة للأمازيغية. وقد رأينا كيف دفعت الوقاحة الأمازيغوفوبية بعض البرلمانيين إلى المطالبة، في إطار مناقشة القانون التنظيمي، بإعادة النظر في حرف "تيفناغ"، رغم أن اختياره كحرف رسمي لكتابة الأمازيغية أمر حُسم فيه منذ ما يزيد عن خمسة عشرة سنة.

فكل مظاهر الاستخفاف بموضوع ترسيم الأمازيغية، سواء في الصيغة الأمازيغوفوبية التي أُعدّ بها مشروع القانون التنظيمي، أو بالتلكؤ الانتقامي في البتّ في هذا الترسيم لما يزيد عن سبع سنوات، بحثا عن الطريقة المناسبة لقتل هذا الترسيم بشكل رحيم Euthanasique، تكشف عن حضور العنصرية في التعامل مع موضوع الأمازيغية. لكن بما أن ضحية هذه العنصرية هي الأمازيغية، فإن التعامل العنصري معها هو شيء عادي، معروف ومألوف ومقبول.

مسؤولية المؤسسة الملكية:

يمكن القول إن العمل على رد الاعتبار للأمازيغية والنهوض بها كان يسير في طريقه الصحيح، رغم البطء وبعض التعثرات، عندما كان ملفها بيد القصر باعتبارها قضية سيادية يدبّرها الملك منذ الاعتراف بها في خطاب أجدير. لكن القصر سيتخلّى عنها ويُسند أمر الإشراف عليها إلى الحكومة والبرلمان من خلال تقييد ترسيمها بقانون تنظيمي. ولا شك أن الدافع وراء هذا النقل لملف الأمازيغية من الملك إلى الحكومة والبرلمان، هو أن القصر أراد التخلّص من عبء الأمازيغية حتى يتملّص من المسؤولية عن أي تقصير في تفعيل قرارات النهوض بها. ولا شك أيضا أنه فعل ذلك تحت ضغط من القوى السياسية الأمازيغوفوبية، والتي أرادت أن تكون الأمازيغية تحت وصايتها حتى تتصرف فهيا بالشكل الذي يمنع، كما سبقت الإشارة، التفعيل العملي والحقيقي لترسيمها، الذي وحده يستطيع إنقاذها من موتها البطيء، عبر الارتقاء بها إلى لغة كتابية يتعلّمها ويدرسها إجباريا جميع المغاربة، وفي جميع المؤسسات التعليمية، لتستعمل إجباريا في المستقبل في جميع مؤسسات الدولة ووثائقها الرسمية. فكل المؤشرات تعطي الدليل على أن كلا من الحكومة والبرمان يتعاملان مع ملف الأمازيغية، بعد أن وضعها الدستور تحت رحمتهما، كما لو أنهما ينتقمان منها بسبب فضحها للتحوّل الجنسي للمغاربة، الذين استبدلوا ظاهريا جنسهم الأمازيغي الأصلي والحقيقي بجنس عربي زائف ومنتحَل، وبسبب، كذلك، ما أحدثته من خلخلة في التصور العروبي الذي كان يؤطر، في المغرب وشمال إفريقيا عامة، مفاهيم الهوية والثقافة والتاريخ واللغة.

ومهما كانت الأسباب التي حدت بالمؤسسة الملكية إلى التخلّي عن ملف الأمازيغية، التي كانت تشرف عليه بشكل مباشر، باعتباره شأنا سياديا، ونقله إلى الحكومة والبرلمان كشأن عادي يُعالج بالطرق التشريعية العادية، فإن هذا التخلّي هو دليل آخر على أن الاعتراف التاريخي بالأمازيغية في خطاب أجدير، وتأسيس المعهد الملكي للأمازيغية، وما تبع ذلك ـ ونتج عنه ـ من إعلان عن إدماج الأمازيغية في المنظومة التربوية، وإنشاء قناة أمازيغية... لم يكن الهدف الأول منه خدمة الأمازيغية بقدر ما كان هو خلق انطباع حسن يخص "العهد الجديد"، كما كان ذلك هو الهدف أيضا من إنشاء "هيئة الإنصاف والمصالحة" لتسوية ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، الموروثة عن المرحلة السابقة. ولهذا لم تُدرج اللغة الأمازيغية ضمن برامج المدرسة المولوية التي يدرس بها الأمراء والأميرات، كما أُفشل مشروع تدريس الأمازيغية منذ سنته الثانية دون أن تتدخّل المؤسسة الملكية لمنع هذا الإفشال، وذلك لغياب إرادة سياسية حقيقية للارتقاء حقيقة بالأمازيغية إلى مستوى لغة كتابية، لتتحرّر من قيود الشفوي والفلكلوري التي تعمل "السياسة البربرية الجديدة" على تكبيلها بهما وجعلهما قدَرا لها.

يجب الجهر، اليوم، بأن هناك تمييزا عنصريا يمَارس على الأمازيغية، بأشكال ومظاهر مختلفة، تجتمع كلها في "العنصرية العادية"، بدءا من الدستور الذي أعطى الحق القانوني الشكلي للحكومة والبرلمان ليمارسا انتقامهما الأمازيغوفوبي على الأمازيغية. إلا أن إلقاء اللوم على هاتين المؤسستين، باعتبارهما مسؤولتين عن عدم تفعيل القرارات التي اتخذت لصالح الأمازيغية، لا يجدي نفعا. كما أن مطالبتهما بإنصاف الأمازيغية هي مضيعة للوقت. فالمسؤولية ترجع إلى المؤسسة الملكية التي هي ملكية تنفيذية ذات سلطة حقيقية، تتجاوز السلطة الصورية للحكومة والبرلمان. وإليها يجب أن توجّه مباشرة المطالب المتعلقة بالأمازيغية، باعتبارها المصدر الحقيقي للسلطة الحقيقية ولكل قرار سياسي حقيقي. فلا الدستور ولا القانون التنظيمي يملكان، بخصوص الأمازيغية وكذلك بالنسبة لكل القضايا الهامة، سلطة تعلو على سلطة القصر، في إطار الملكية المخزنية التنفيذية الحالية.

النتيجة أن القصر وحده يستطيع وقف هذه العنصرية العادية الممارسة على الأمازيغية، لأن "الفاعلين" السياسيين الآخرين، الحزبيين والحكوميين والبرلمانيين، هم مجرد أشباه فاعلين تابعين للفاعل الحقيقي. فإذا غض هذا الفاعل الحقيقي الطرف عن العنصرية العادية تجاه الأمازيغية، تسابق هؤلاء الفاعلون التابعون في ممارستها عليها وضدها، وبنوع من الانتقام والمازوشية. وإذا نهى عنها نفس الفاعل الحقيقي ودعا إلى اعتزاز المغاربة بأمازيغيتهم، تنافس أشباه الفاعلين في خدمة الأمازيغية والإعلاء من شأنها.