فن وإعلام

مرآة صغيرة لواقع كبير !

عبد الله بوكابوس

 

أجدني متفقا، من حيث المنطق الذي أومن به ويقنعني، مع رؤية كثير من أسرة الفن المسرحي والسينمائي ومنهم الممثل المغربي الفنان المقتدر عبد الرحيم المنياري الذي صرح مستنكراً إقحام واقتحام بعض الوجوه لمجال التمثيل من نافذة ضيقة تطفلا على الرغم من عدم احترافيتها وعلى الرغم من بعدها عن ميدان التمثيل كفن مستقل بذاته يتطلب طبعا إلى جانب الموهبة، الدراسة والاحتراف والصدق في الممارسة والتعاطي، فلا شك أن لكل ميدان أناسه مثلما لكل مهنة قواعدها وضوابطها وحدودها..، وهذه بديهيات من باب السماء فوقنـا.

فالتمثيل مهنة كسائر المهن التي يتوقف عليها المجتمع في التثقيف والتوجيه والإعلام والتنمية أيضا، وهو إلى جانب ذلك فن بالمعنى العميق والدقيق للكلمة، وهو معبر عن المستوى المعرفي والحضاري، وعن مدى حيوية الأمة وانفتاحها على العالم وعلى الأفق.

ومعلوم أن نجوم وَسَادة المسرح والسينما يصنعون الترفيه، كما يصنعون السياسة والتثقيف والتربية والوعي...

ولعل السعي المجنون وراء الشهرة أو وراء الاغتناء "السهل" أو هما معا، من يدفع بعض شواذ المعرفة لاقتحام أي ساحة دون خجل ودون تردد بذريعة إبراز الموهبة أو خدمة الفن أو حتى.. "خدمة الوطن" !

وإذا كانت الظاهرة بارزة في مجال التمثيل بخاصة، فلا يعني أنها مقتصرة عليه فقط، بل هناك مجالات أخرى لا تخلو من هذا "الغزو" المسيء للأدب جملة، ولوجوب البناء وضرورة دقته وأهمية إتقانه والإخلاص فيه على كافة المستويات المتصلة بالتربية والثقافة والإعلام والفن والتنمية في مختلف تقاطعاتها.

والغريب أن بعض رؤوس الفساد ورموز الجشع والأنانية والتسلط لم يتورعوا في تثبيت ذويهم أو أقاربهم أو "فئاتهم" داخل أجسام مختلفة، حتى بهياكل إدارية لها من الحساسية ما لا تناسبهم - شكلا ولا مضمونا - في غياب أدنى معرفة بالمجال، ولم يكن القصد سوى تكثير "سواد" معين  (!) واللهث وراء الاغتناء غير المشروع !!! حتى أضحت الظاهرة في بعض الدواليب قاعدة لا استثناء، فلم يجد أصحابها أدنى حرجا في الإقدام على ما أقدموا عليه، وطبعا لم يستحضروا البتة خطورة المسؤولية وعظمتها، ولا قضاء المحاسبة حين "يقتحمهم"، وقد لا يرحمهم.. عاجلا أو آجلا...

والمحاسبة بواجهاتها المتعددة هي العملة الوطنية الضرورية التي لن تكسد، والتي يتحقق بها توازن العيش وضرورة الاستقرار، وهي وجه الصفاء الذي يطمئن إليه المواطن عموما والمتضرر والمظلوم على وجه الخصوص، وهي سيف الإنصاف ومنطوق العدالة الحقة.

ولئن كنا نستنكر الاختراق المسيء من جانب كثير من الطفيليين الذين غالبا ما دنسوا الخصوصية المميزة لقطاعات معينة، ومنها الخصوصية الجمالية للمجال الفني، فإننا من جانب آخر ندعو أهل الدار إلى الحرص على نظافة المهنة وصفاء فضاءاتها.. إذ ليس كاف ذلكم التركيز على جانب الأداء التمثيلي لمشهد ما أو دور ما، بينما يتم الإخلال بعناصر في غاية الأهمية تعد تكميلية بل مكملة للأداء ككل ومبرزة له، وهنا تجدر الإشارة على سبيل المثال إلى مشهد دفن الميت (ضمن مسلسل تلفزيوني/ اجتماعي)، وإذا بالمخرج يُغَيِّبُ - عن جهل ربما أو عدم اكتراث - قراءة سورة "يسن" جريا على ما هو معهود في المجتمع المغربي في الجنائز، كما أن مشهد العزاء تغيب عنه القراءة القرآنية وفق ما درج عليه المغاربة، شرقا وغربا وشمالا وجنوبا بلا كثير خلاف، وبأداء ركيك شاذ - لا صلة له بالواقع - لسورة "الضحى" بدلا من سورة "يسن" كما سلف الذكر أو سورة "الملك" مثلا جريا على "السنة" المتصلة بالمناسبة..، كما لا يجوز الإساءة للغة في "الجينريك" أو الحط من شأنها، وكأن شيئا لم يحدث، والحال أن الأخطاء كثيرا ما تكون فظيعة وبارزة للمتتبع البسيط فأحرى لذوي الاهتمام.. !

إن إبراز ثقافة الأمة المجتمعية وربطها بالجمال البيئي والطبيعي، واستحضار الخصوصيات الجذابة الملهمة جغرافيا أو معماريا أو حرفيا أو إبداعيا في مجالات متقاطعة بالنظر إلى تداخل المعارف والثقافات شيء جميل بلا شك، لكن الأجمل أن نحرص جميعا على عدم الإساءة للهوية في بعدها المعرفي والقيمي، وأول أبجديات الهوية تتمثل في اللغة، عربية أو أمازيغية أو حتى الروافد المتصلة بالإثنين، وإلا سنكون عبثيين وسنكون مزكين مباركين تلقائيـــا للعبث المتمثل في ولوج أي كان لكل فضاء ولكل قطاع.. !