تحليل

بين شرعية الإجهاز على تقاعد الموظف ومشروعية الإبقاء على تقاعد البرلماني

يونس الراوي*

في خضم النقاش المحتدم والمتجدد حسب ما تفرضه طبيعة المرحلة السياسية التي تمر منها المؤسسات وحسب نضج الفضاء الأزرق في الرقي بمستوى النقاش العمومي وتأثيره المباشر في السياسات العمومية وحتى في النقاش المؤسساتي، في هذا الخضم تطفو للسطح مجددا مسألة تقاعد البرلمانيين وما تثيره من نقاش سياسي قانوني وحتى مجتمعي حول قانونية هذا التقاعد ومدى أحقية البرلماني في الاستفادة منه وخصوصا في ظل تنزيل حكومة بنكيران للقوانين التي اعتبرها الموظفون مجحفة في حقهم، حيث أثار ملف إصلاح أنظمة التقاعد بالمغرب الكثير من النقاش العمومي إن على المستوى السياسي ، الإداري، أو المهني الوظيفي. فقبل وحتى بعد إحداث اللجنة الوطنية التقنية لإصلاح أنظمة التقاعد سنة 2004 والنقاش لا زال مفتوحا لحدود الساعة، حيث سارعت الحكومة السابقة إلى إصدار المرسوم الجديد بالجريدة الرسمية عدد 6287 مكرر بتاريخ 02 شتنبر 2014، بقانون رقم 2.14.596 صادر في فاتح سبتمبر 2014 بتتميم القانون رقم 012.71 الصادر في 30 ديسمبر 1971 المحددة بموجبه السن التي يجب أن يحال فيها على التقاعد موظفو وأعوان الدولة والبلديات والمؤسسات العامة المنخرطون في نظام المعاشات المدنية والقانون رقم 05.89 المحددة بموجبه السن التي يحال إلى التقاعد عند بلوغها المستخدمون المنخرطون في النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد..

وللإشارة فقد سبق لفريق التقدم الديموقراطي أن تقدم بمقترح قانون من أجل تغيير القانون 24.92 المتعلق بإحداث نظام المعاشات لفائدة أعضاء مجلس النواب والذي تم تطبيق أحكامه على أعضاء مجلس المستشارين بموجب القانون 53.99 كما وقع تغييره بموجب القانون 35.04، مقترح قانون حمل رقم تسجيل 217، بتاريخ 6 يناير 2016، مقترح أراد مراجعة هذا النظام وهدف لإلغاء مساهمة الدولة في معاشات البرلمانيين وتغير فترة بداية صرفها إلى غاية بلوغهم السن المحددة للتقاعد في نظام المعاشات المدنية.

كما تم التقدم بمقترح من طرف رؤساء: الفريق الاشتراكي، الفريق الاستقلالي، الفريق الحركي، التجمع الدستوري، مسجل تحت رقم 81 بتاريخ 2 فبراير 2018.

ومؤخرا، وفي ظل تعدد مقترحات القوانين التي تم التقدم بها من طرف فرقاء تباينت تصوراتهم ما بين الراغب في الإصلاح وغيره ممن يريد إلغاء هاته المعاشات، فمقترح القانون الذي تقدم به رؤساء فرق (العدالة والتنمية، التجمع الدستوري، الوحدة والتعادلية، الحركي، الاشتراكي، التقدم والاشتراكية) والمسجل تحت رقم 89 بتاريخ 12 يونيو 2018 اقترح إحالته على لجنة المالية والتنمية الاقتصادية باعتبارها صاحبة اختصاص مناقشته، ونص على تعديل مقتضيات القانون، بعد أن كان رئيس فريق العدالة والتنمية قد أعلن يوم الثلاثاء 17 يوليوز 2018 بمجلس النواب، خلال اجتماع لجنة المالية عن تراجعه عن مقترحه لإلغاء تقاعد البرلمانيين، والذي سبق وأن تقدم به فريقه مستقلا تحت رقم 71 بتاريخ 17 يناير 2018، مشيرا إلى أن فريقه سيكون مع المقترح المشترك، لأنه المقترح الأكثر موضوعية وواقعية، باقتراح إحداث مؤسسة مؤهلة لتسيير هذا النظام، في وقت كانت فيه هذه المعاشات تسير من طرف الصندوق المغربي للتقاعد في نظام المعاشات المدنية والخاصة بالموظفين العموميين، وبإعفاء هذا المعاش من الضريبة، وبعدم تنافي هذا المعاش مع أي تقاعد آخر.

وبالعودة للقانون 24.92 نجده أنه لا ينص على السن التي يسمح بموجبها من الاستفادة من المعاش، وعلاقة بالقاعدة الدستورية المنصوص عليها في الفصل السادس، ليس للقانون أثر رجعي، فإن المقترح المعروض حاليا يحدد سن الاستفادة في 65 سنة، وإن تم الطعن فيه أمام المحكمة الدستورية من طرف أي فريق استطاع تحصيل النصاب القانوني سيمكن من الحكم بعدم دستوريته لكونه أضر بالحقوق المكتسبة للبرلمانيين القدامى ولكون القانون الجديد يجب أن يشير إلى تاريخ تنفيذه ابتداء من الولاية التشريعية القادمة.

وبالاطلاع على مقترح القانون الذي تقدم به برلمانيا فدرالية اليسار الاشتراكي الموحد، نجده أنه اقترح إلغاء معاشات أعضاء البرلمان، ونسخ القوانين المؤطرة لنظام معاشات البرلمانيين.

وحسب ما تناقلته مصادر مطلعة فإن النقاش حول المقترحات المطروحة لا زال قيد النقاش حيث تباينت مواقفهم بين من يرى ضرورة الإبقاء على معاشات البرلمانيين مع استحضار مشكلة النواب السابقين الذين تجاوز عمرهم 65 سنة، واعتبار مساهماتهم هي تضامنية بينهم، فين حين رأت بعض الفرق أنه سيضر بها وبأعضائها، وبين من يرى بضرورة تصفية هاته المعاشات، وهو ما أكده بلاغ صادر في 18 يوليوز 2018 عن رئيس لجنة المالية والتنمية الاقتصادية وفيه بأنه تقرر عقد اجتماع للجنة يوم الخميس 19 يوليوز 2018 من دراسة مقترحات القوانين المطروحة.

إلا أن موقف حزب الأصالة والمعاصرة الذي لم يوقع إلى غاية الأربعاء 18 يوليوز 2018 على المقترح المشترك على أساس أنه تقدم بمقترح في مجلس المستشارين ومضمونه هو أنه يمكن أن يكون معاش لكن دون مساهمة البرلمان، يعني مساهمة البرلمانيين فقط. وهو عكس ما ذهب إليه عبد اللطيف وهبي في دراسة أعدها حول عدم دستورية مقترح القانون المطروح، وخلص في دراسته إلى “مخالفة مقترح القانون الجديد، الخاص بمعاشات البرلمانيين، لمبدأين رئيسيين في القانون هما مبدأ عدم الرجعية ومبدأ احترام الحقوق المكتسبة”. وقال وهبي أن “المادة الثانية من مقترح القانون عندما نصت على إلزامية بلوغ سن 65 سنة للاستفادة من تقاعد البرلمانيين، تكون قد فرضت شرطا بشكل رجعي، وكان عليها شكليا أن تنص في هذه المادة على أن القانون سيتم تطبيقه بأثر رجعي، إذ لا يمكن للإدارة ولشركات التأمين تطبيقه بأثر رجعي إلا إذا نص المشرع بوضوح على ذلك”.

وفي نهاية دراسته للموضوع، خلص وهبي إلى أنه “حينما سيتم إلغاء تقاعد البرلمانيين عبر القانون، ستطرح إشكاليتان، تتعلق أولاهما بالبرلمانيين السابقين، الذين انتهت علاقتهم بالمؤسسة التشريعية في ظل انتخابات 2016، وما سبقها من انتخابات، فيما تهم الإشكالية الثانية البرلمانيين الحاليين” .وأضاف وهبي أن “فئة البرلمانيين السابقين أصبحت مراكزهم قانونية ومكتملة العناصر أي نهائية، ومن تمة لهم حقوق مكتسبة لا يجوز المساس بها وعليه لا يمكن إلغاء حقوقهم التقاعدية، أما بالنسبة لبرلمانيي الولاية الحالية، فإن مراكزهم لم تبلغ غايتها النهائية، ومن تم لم تكتمل مراكزهم بعد، وتبقى هذه الأخيرة قابلة للتدخل التشريعي”.

وعليه فإن أي تصويت لفريق الأصالة والمعاصرة على المقترحات المطروحة في مجلس النواب سيكون له الأثر الجلي في تمرير للمناقشة من عدمه، فإذا صوت البام على صيغة مقترح قانون الإبقاء على معاشات البرلمانين كما طرحته فرق الأغلبية وحزب الاستقلال فلن يجد القانون بعد المصادقة عليه من طرف مجلسي البرلمان من يطعن في دستوريته ويحيله إحالة قبلية على المحكمة الدستورية، وإذا أقرت المحكمة الدستورية بدستوريته و صدر الأمر بتنفيذه، ومع تعذر صدور القانون التنظيمي 86.15 المتعلق بالفصل 133 والذي نص على حق الإفراد في الدفع بعدم دستورية قانون، وقراري المحكمة الدستورية حوله 70/18 و 80/18 فلن يكون من حق الأفراد الدفع بعدم دستوريته بدون وجود نزاع قضائي.

نقاش هاته المعاشات تجدد بعد مراسلة الصندوق المغربي للتقاعد لمكتب مجلس النواب بشأن وضعية الاحتياط المالي لنظام معاشات البرلمانيين، وهي المراسلة التي كشفت أن رصيد النظام لا يوفر للصندوق السيولة الكافية لمواصلة صرف المعاشات، ورفض رئيس الحكومة التدخل لإنقاذ صندوق تقاعد البرلمانيين من الإفلاس في الوقت الذي رفعت من سن تقاعد الموظفين وحتى من نسب الاقتطاعات لصالح الصندوق، ورفضت الزيادة في أجورهم، بعد أن تعالت أصواتهم بأن الدولة هي التي يجب أن تؤدي ما عليها من مستحقات متأخرة لصالح الصندوق، الذي لا يعاني إلا من عجز تقني، كان من الممكن أن تتجاوزه الحكومة السابقة بإجراءات بسيطة عوض إصلاحه من جيب الموظفين البسطاء الذين يؤدون مستحقاتهم من تواريخ توظيفهم دون أي تأخر.

وعليه وفي ظل غياب أو تغيب البرلمانيين عن جلسة إقرار قوانين تقاعد الموظفين في مجلسي البرلمان حتى مررتها الحكومة إما بالأغلبية أو بالتوافق، فالكل يتتبع كيف سيتعامل البرلمانيون مع هذا المقترح الجديد/ القديم، في ظل احتدام النقاش العمومي بين من يراها حق مكتسبا وبين من يعتبرها ريعا وجب زواله.

*باحث في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية