قضايا

أخلاقيات العمل وظروف التفاني فيه

عبد السلام لعروسي

إن أساس بناء المجتمعات وركائز قيام الحضارات وضمان استقرار الأوطان رهين بتحصيل جيل متعلم يؤمن بقيم المواطنة، له قناعاته الراسخة لأجل التفاني في كل عمل يقوم به.. جيل متفائل غير يائس من خلال بذل الوسع والتضحية بما أوتي من جهد.. جيل يدرك قيمة الوقت ويدرك أنه لا منال لنيل المبتغى دون السير على دروب الخصال والقيم الحميدة.

إن قوام بلوغ الغاية والنجاع في تحقيق أهداف عمل ما أو مشروع كيفما كانت طبيعته يظل رهينا بخلق الثنائية المتناغمة بين سلوكيات الفرد الأخلاقية ومدى فهمه السليم لقيم التفاني في العمل. والعمل الناجح هو مسار الدرب الوحيد لنيل مبتغى العيش الكريم للأفراد داخل مجتمعاتها.

من أجل توضيح أكثر لأهمية نبل رسالة التفاني في العمل والدور المباشر لذلك في البناء السليم للمجتمعات واستقرار أوطانها، سنحاول من خلال هذا المختصر تسليط الضوء على مفهوم العمل بصفة عامة وتبيان بعض معايير أخلاقياته وضوابط قيّمه، وتأثيرها في سلوكيات العامل أو الموظف.

أولا- العمل وغايته وأخلاقياته

مصطلح "العمل" هو تعبير عن سلوم وظيفي ومهني، يتطلب توظيف الأفكار والإبداع في تحقيقها، أو القيام بجهد جسدي قصد تحقيق غاية نافعة وضمان العيش الكريم. وقبل القيام بأي عمل كيفما كان نوعه، وجب تحديد غاية الوظيفة أو المهمة وتحديد الواجبات وطرق تحقيقها؛ وهو ما يتطلب تحديد معايير وتعاريف تهم بالدرجة الأولى القيم الأخلاقية ومعطيات التمييز بين ما هو صواب وبين ما هو خطأ خلال القيام بالواجبات الموكلة للعامل أو المسؤول القائم على العمل. أمّا التفاني في الوظيفة ذاتها، فهو مرتبط وبشكل مباشر بسلوكيات الفرد وظروف ثقافاته من جهة، وببيئة العمل وطبيعة الواجبات الموكولة إلى صاحبها من جهة أخرى.

ثانيا- سلوكيات القيام بالعمل

سلوكيات العمال أو المسؤولين، كأفراد مكلفين بتحقيق واجب معين، أي كانت درجة مناصبهم، تتأثر مباشرة بالبيئة التي تحيط بهم، خصوصا من ناحية قيم الأخلاق والاستقلالية بالرأي، بما في ذلك قناعاتهم الخاصة وكيفية ملامسة المواقف على اختلاف أشكالها؛ فالمدرسة من ناحية، والسياسة المتبعة للدولة من أجل توفير حق التعلم وإدراك المعرفة لصالح أفراد المجتمع من ناحية أخرى، تعد إحدى أهم الركائز لتكوين جيل مثقف يوظف أفكاره بشكل جيد، ويحسن الإبداع في تحقيق الأهداف ويملك القدرة اللازمة لاختيار الوظيفة اللائقة بتكوينه وقناعاته على وجه الخصوص، حيث إنه يستحيل التفاني في العمل إلا في حالة كان صاحب العمل يحب وظيفته وله قناعة تامة بنجاعة أهدافها. علاوة على ذلك، نجد أن سلوكيات العاملين مرتبطة كذلك بالسياسة القائمة في مجتمعاتهم؛ فعلى سبيل المثال نجد أن السلوك الديمقراطي للساسة والمسؤولين في مؤسسات الدولة هو عامل أساسي وشرط ضروري لدحر الفساد وجريمة الاتجار في الوظيفة من جهة، ولضمان المساوات في فرص التشغيل وتوزيع المهام والمسؤوليات، ومنه تكليف الكفاءة المناسبة بالمنصب المناسب من جهة ثانية.

ثالثا- بيئة العمل وظروف تأطيره

العامل الأساسي الآخر والذي لا يقل تأثيرا في سلوكيات الموظف هو عامل بيئة العمل ومكانه وظروف تأطيره، حيث وجب على المسؤول المكلف بتوزيع المهام والوظائف خلق ظروف ملائمة للقيام بهذه المهام، كما وجب عليه توفير الوسائل العملية والتقنية لتحقيق أهداف تلك الواجبات.

و يعتبر توفير ضروف توازن الحياة الخاصة و العمل من المعطيات الضرورية التي من شأنها أن تزيد من تشجيع الموظف على مزاولة عمله برغبة أكبر و أريحية أكثر، و منه مساعدته على توظيف أفكار جديدة و الإبداع في ثقافة التفاني في العمل و تحفيزه على الشعور بالمسؤولية تجاه المهمة الموكولة إليه من تلقاء نفسه، بغض النظر عن شكل أو درجة هذه المهمة.

*باحث اقتصادي وخبير في الهندسة الميكانيكية