سياسة واقتصاد

الأشعري: بنكيران عطّل تنزيل الدستور .. و"اتحاد الكتاب" بلا معنى

كفى بريس

اعترف وزير الثقافة والاتصال السابق، محمد الأشعري، بفشل مهام اتحاد الكتاب المغرب وأدواره الطلائعية، معتبرا أن "هذا التجمع الأدبي لم يعدْ له معنى ولم يعُد له مشروع ثقافي مقنع ومعبّئ للطاقات الثقافية في البلاد، ولم يعدْ منبراً كما كان في السابق للدفاع عن الحريات ولبلوة آراء المثقفين في القضايا العامة".

وأرجع صاحب رواية "ثلاث ليال"، في هذا الحوار، أسباب خفوت صوت المثقف داخل المجتمع المغربي، خاصة أمام تصاعد الأحداث وسرعة تدفقها، إلى غياب إرادة حقيقية لدمج المثقفين في عملية صنع القرار، وقال: "هناك نوع من تغييب المثقفين من الدوائر السياسية ومن الدوائر الثقافية ومن المؤسسات، الشيء الذي جعل الكثير من المتثاقفين أو المتسايسين هم الذين يتكلمون، والمفكرون والمثقفون والأدباء تراجعُوا، لأنهم لم يعُودوا يمتلكون الأدوات التي تُمكنهم من التعبير عن مواقفهم".

وفي سياق آخر، دعا الاتحادي السابق إلى تطبيق الدستور، ففي نظره، "فإن دستور 2011 لم يُطبق بعد"، مرجعاً السبب في ذلك إلى وجود خلل أساسي وقعت فيه حكومة بنكيران التي لم تعط أي نفس لذلك التعديل الذي زرع نوعا من الأمل في الساحة السياسية سنة 2011.

وإليكم نص الحوار:

أستاذ الأشعري، أكيد أنك تابعت أو تلقيت بعض الأصداء بشأن الأحداث التي شهدها مؤتمر اتحاد كتاب المغرب مؤخرا.. كيف تابعت هذا الموضوع؟

في الواقع أُتباعه من بعيد، منذ فترة طويلة انْقطعتُ عن العمل المباشر داخل اتحاد الكتاب المغرب، ولا أمارس حتّى عُضوتي داخل المجلس الإداري منذ سنوات، لكن الجدل في الواقع لا يهمني في الحدِّ ذاته. أرى أنه أحْيانا يتخذ منحى شخصيا وهامشيا بالنسبة للقضايا الثقافية بالمغرب، ما يهمُّني هو الإحساس بأنَّ اتحاد كتاب المغرب لم يعدْ له معنى، أزْمته في نظري تتَّصل أساساً بكَوْنِه لم يعُد له مشروع ثقافي مقنع ومعبّئ للطاقات الثقافية في البلاد، ولم يعدْ منبراً كما كان في السابق للدفاع عن الحريات ولبلوة آراء المثقفين في القضايا العامة، ولمْ يعدْ له نوع من الفعالية في الحياة الثقافية، فإذا كان الاتحاد يهْتمُّ بالنشر والكتب وحياة المُؤلفين فهذا تقومُ به جمعيات كثيرة في الواقع، وأندية القراءة تقوم بعمل أفضلَ منه بكثير.

لذلك، أعتقدُ أنه إذا كانت هناك مبادرة لإعادة إحياء اتحاد الكتاب المغرب، فيجبُ أن تنصبَّ على إيجاد مشروع حقيقي لهذا الاتحاد يتكيَّف مع الواقع الجديد للثقافة المغربية وللثقافة أينما وُجدت، ويجدُ لنفسه مبرراً للوجود، أنا أتحدث مع كثير من الكتاب فيقولون لي دائما إنهم لا يحتاجون إطلاقاً إلى اتحاد كتاب المغرب، وهذا الوضع هو الذي جعل الاتحاد ينزلق إلى صراعات شخصية وهامشية.

كنت قد أشْرفت على الشّأن الثقافي بالمغرب كوزير للثقافة والاتصال لمدة قاربت العشر سنوات، أكيد أنك راكمتَ خبرة وتعرف خبايا هذا القطاع.. أين يكمنُ الخلل في نظرك؟

تقصد داخل الاتحاد أو في ما يخصُّ الوضع الثقافي العام؟

كلاهما

الاتحاد تحدثت عنه، ولا أستطيع أن أضيف شيئاً آخر أكثر مما قلته. بالنسبة للوضع الثقافي في المغرب، أعتقد أن المُعضلة مازالت ترتبط بضعف الاستهلاك الثقافي في المغرب، وهامشية الأدب في الحياة اليومية للمواطنين، فالأدب ليس شيئاً أساسيا في حياة الناس، هو ربما شيء أساسي بالنسبة لأقلية قليلة جداً، وهامشية الأدب لها نتائج وخيمة على كثير من الأشياء.

أظن أنَّ القيم والتزام المواطن بالقضايا العامة والمشاركة في النقاش العمومي وإدراك تعقد الحياة الاجتماعية والسياسية ومحاولة إيجاد أجوبة على كل هذه الأشياء، يقْتَضي أن تكون الثقافة حاضرةً بقوة؛ حاضرة في المدرسة، في الجامعة، في الشارع، وفي الاسْتهلاك اليومي للمواطنين، والأمر ليْس كذلك حتى الآن. لم نستطع اليوم أن نجد سياسة ترفع من مقام الثقافة والاستهلاك الثقافي في بلادنا.

إلى جانب تغييب الثقافة هناك أيضا خفوت صوت المثقف داخل المجتمع

لا، ليس غيابا. لكن الأمر يتعلق بضعف هيكلي الذي هو ضعف تاريخي تُضيف إليه السياسات الثقافية العاجزة أبعادا دراماتيكية أحياناً، فالوضع الذي تعيشه السينما والمسرح والكثير من التعبيرات الفنية في بلادنا يدعو إلى القلق.

في اعتقادك، من يتحمَّل مسؤولية هذا الوضع؟

هي مسؤولية مُركبة، بطبيعة الحال هناك التخلف التاريخي الذي لم نتداركه حتى الآن، كان يجبُ أن تكون هناك سياسات عمومية قوية لتدارك هذا التّأخر التاريخي الذي يوجد فيه المغرب بحكم تاريخيه الخاص.

لكن هذه السياسيات العمومية كانت دائما تفتقر إلى الإمكانات وإلى الرؤية الاستراتيجية الواضحة، بالإضافة إلى ذلك، فأنا أحمّل النظام التعليمي المسؤولية الكبيرة لهذا الضعف، فوجود المنتوج الأدبي في الحياة التعليمية هامشي جدا، بل أحْياناً منعدم، وأنا أطَّلع بين الحين والآخر على البرامج التعليمية في الثانويات وفي بعض الأكاديميات، أجد أنه ليس هناك أي نص أدبي مغربي باستثناء نص أو نصين، وليس هناك النصوص العربية الأساسية، فليس هناك المتنبي والجاحظ مثلاً من الكلاسيكيات، وليس هناك شعراء حديثون مثل أدونيس ودرويش ومحمد بنيس. ليس هناك أي وجود لأي نص أدبي حقيقي من حياتنا الثقافية في أنظمتنا التعليمية اليوم بالمغرب.

وجدْتُ في أكاديمية من الأكاديميات أن هناك نصين؛ نصٌ لأحمد المجاطي، ويتعلق الأمر بقصيدة "القدس"، والذين يعرفون المجاطي، فإن هذه القصيدة لا تعبِّر عن تجربته الشعرية إطلاقاً، ونص قصير لأحمد بوزفور. وهكذا، فإن إضْعاف الثقافة في المجال التعليمي يُربِّي أجيالاً لا علاقة لها إطلاقا بالمنتوج الثقافي، فلا يمكنُ أن نطلبَ منها أن تنمِّيَ صناعة الكتاب ولا أن تنمي صناعة المشاهدة.

لكن هذا لا يفسّر غياب المثقف عن مواضيع المجتمع

أولاً أريدُ أن أضع نوعا من النسبية في حُكمك، الغياب ليس مُطلقاً، وكثير من المثقفين أبدوا آراءهم ومواقفهم في كل الحركات الاجتماعية التي شهدها المغرب في السنوات الأخيرة، مسألة ثانية أريد أن أشدد عليها، أين يوجد المثقفون اليوم وفي أي موقع حتى يعبروا بطريقة متصلة ومستمرة عن مواقفهم؟

لقد جرى نوع من تغييب المثقفين من الدوائر السياسية ومن الدوائر الثقافية ومن المؤسسات؛ الشيء الذي جعل الكثير من المتثاقفين أو المتسايسين هم الذين يتكلمون، والمفكرون والمثقفون والأدباء تراجعُوا، لأنهم لم يعُودوا يمتلكون الأدوات التي تُمكنهم من التعبير عن مواقفهم، ولكن كلما طلب من المثقفين المغاربة التعبير عن رأيهم، فإنهم يعبرون عنه بقوة وبصراحة.

وأظن أن السياسيين في المغرب في ما يخص الحركات الاجتماعية كانوا الأقل تعبيراً عن مواقف ناضجة ومسؤولة في هذا المجال.

ماذا يعني ذلك؟

أنت تعرف الأحزاب السياسية في مرحلة ما كان حضور المثقفين فيها قوياً، كانوا في الهيئات الحزبية والإعلام الحزبي وكانوا مؤطرين لكثير من المواقف والمبادرات في المشهد المغربي، هذا الوجود تقلّص إلى حد كبير في جميع الأحزاب.

مقاطعاً.. وهذا يخدمُ السلطة أليس كذلك؟

لا أعرفُ من هي السلطة التي يخدمها هذا الوضع، لكن أعرف أن هذا لا يخدمُ البلاد على الإطلاق.

طيب أستاذ الأشعري. خوضاً منا في أمور السياسة، العديد من الفاعلين مازالوا ينتظرون مبادرة جديدة لخوض شوط ثانٍ من تعديل الدستور، هل تعتقد أن المغرب في حاجة إلى دستورٍ جديدٍ أكثر تقدماً من نسخة 2011؟

هو أولاً في حاجة إلى تطبيق الدستور، فدستور 2011 لم يُطبق بعد، سمعنا كثيراً عن التنزيل الديمقراطي للدستور، ولكن للأسف الشديد، فإن الخلل الأساسي الذي وقعت فيه حكومة بنكيران هو تعطيل الدستور الجديد وعدم إعطاء أي نفس لذلك التعديل الذي زرع نوعا من الأمل في الساحة السياسية سنة 2011.

يجب البدء أولاً بتطبيق هذا الدستور، لأن جيلا جديدا من الإصلاح في المجال الدستوري مازال مطلوبا، فالكثير من المتابعين، وأنا من بينهم، كنا نعتقد أن دستور 2011 رغم نواقصه مرشح لتغيير الحياة السياسية بشكل عميق، وأن هذا التغيير سيُفضي لا محال إلى تحسين الدستور نفسه ليتطابق مع هذا التغيير، لكن هذا الأمر لم يحدث، فلا يمكن أن نعلِّق دائماً الآمال العريضة على إصلاح قد يأتي، يجب أن نتشبث بتطبيق الدستور وفي الوقت نفسه أن نغير الحياة السياسية وفقا لهذا الدستور الجديد، ونستنبط من ذلك الفراغات التي يجب أن نملأها والتغييرات الضرورية التي يجب أن نقوم بها.

هل الخلل يكمن في تنميط عمل "النخبة"؟

دعني أقول إن الحياة السياسية بجميع مؤسساتها ومكوناتها كانت عائقاً أمام هذا التطور المنشود، الأحزاب كانت مسؤولة، خاصة الأغلبية التي تتحمل القسط الأوفر من هذه المسؤولية، والمؤسسات السياسية كلُّها لم يُقلقها ألا يُطبق الدستور رغم أنه انطلق من آمال الشارع المغربي، هل هناك شيء أكثر ضرراً من خيانة آمال الشارع المغربي وخذلان آمال الشباب الذين خرجوا في حركة 20 فبراير ليطالبوا بالإصلاح ومُحاربة الفساد؟ خذلان هذا الأمل العريض تتحمل مسؤوليته كل المكونات الحزبية في المغرب.

وأذكر هنا أن الإصلاح الدستوري لم يكن مجرد تمرين قانوني، لقد انطلق في مناخ ما سمي بالربيع العربي وانطلق وفق مقاربة ذكية للمغرب أنه لم يخرج لمواجهة الشارع، وإنما خرج لوضع اقتراحات عملية لتجاوز الأزمة التي جاء بها الربيع العربي.