قضايا

عن خطر تبخيس دور الجهاز القضائي

نوفل البعمري

يجب التمييز بين التعليق على الأحكام وانتقادها وبين إبداء عدم الرضا عليها...

وبين ما يجرنا إليه البعض من تبخيس دور الجهاز القضائي كسلطة وتسفيه دور النيابة العامة كجهة اتهام التي تظل متابعتها للمتهمين خاضعة لمناقشة الدفاع وتقييم الهيئة التي تنظر في الملف.

ما يحدث اليوم هو نفسه الذي حدث مع مختلف الوسائط من أحزاب ونقابات بعد أن تم تبخيسها أصبح الجميع يسأل عنها ويطالبها بالقيام بواجبها.

الأحكام القضائية ليست مقدسة، وهي خاضعة لتدرج في تقييمها ولمراقبة الجهاز الأعلى درجة من الجهاز المصدر للأحكام القضائية، سواء أكانت في المرحلة الاستئنافية أو النقض... ولتعليق الفقهاء والقانونيين.

كما أن النيابة العامة عملها منظم ومؤطر بالدستور، ويخضع لتقييم الهيئة التي تنظر في الملف ولمناقشة ودفع المحامين أثناء مؤازرتهم لموكليهم، كما أن القضاء الإداري فتح المجال لتعويض المتضررين من الأخطاء القضائية.

يجب أن ننتبه إلى أنه إذا سفهنا وبخسنا دور الجهاز القضائي لن نجد غدا من سنختصم لديه وسنشرعن من حيث لا ندري سلطة الشارع وشرع اليد ما دامت ثقة المواطنين في القضاء وفي دور النيابة العامة قد تم زعزعتها بشكل سلبي يخدم أجندة لا تخدم البناء المؤسساتي في بلادنا.

لست هنا في مجال تبرير الأحكام الصادرة على ناصر الزفزافي ومن معه وهو الملف الذي يحتاج إلى تقييم موضوعي على مستوى الإجراءات التي اتخذت فيها؛ لكن نحتاج بالمقابل إلى أن ننبه إلى أن استهداف القضاء والنيابة العامة على الخصوص التي تعيش أول تجربة على مستوى وضعها الحالي؛ وهو الوضع الذي لم يأت من فراغ، بل مرتبط بالتطور الذي عشناه، خاصة على مستوى توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة بعد معالجتها لملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في مرحلة سنوات الرصاص، حيث كان المناضلون يختطفون من داخل المحاكم، وحيث هو كانت المحاكمات صورية لا مجال فيها لأية ضمانة حتى لو تعلق الأمر برفع الأصبع لأخذ الكلمة، وهي عملية - تبخيس دور القضاء- أمر إذا ما أضفناه إلى عملية تبخيس دور الأحزاب على مشاكلها ودور المؤسسات على علاتها سنكون نحفر قبرنا بأيدينا.

الإصلاح يحتاج إلى خطاب باعث للأمل وللثقة في المؤسسات ولا يقوم على التيئيس، وإذا ما كانت هناك ملاحظات وجب تقديمها بهدف تطوير وتجويد عمل المؤسسات لا العكس والنضال من أجل فرض المزيد من المكاسب الحقوقية.