عبد الله بوكابوس: وَاهِمٌ يا قَاسِمُ !

فليسمح لي الأستاذ عبد الستار قاسم الموقر ببعض الرد على ما أورده بموقع "رأي اليوم" بتاريخ: 06 يونيو/ حزيران 2018 بعنوان: "لماذا نعتقد أن الجزائر هي الأكثر تأهيلا لقيادة الأمة العربية حاليا ؟"، بعد أن رأى أن "الخيار الأكثر حيوية ونضوجا (هكذا) أمامنا هو الجزائر" لشساعة مساحتها البالغة أكثر من مليوني كيلومتر مربع، وسكانها البالغ تعدادهم أكثر من أربعين مليونا، وهي أيضا التي "تمتلك جيشا قويا ومسلحا تسليحا جيدا، وقادرا على حماية الجزائر والدفاع عن جوارها العربي إن شاءت" ( !) لأقول بأن الذي ينقصنا بالوطن العربي أساسا هو الوحدة، وليس بالضرورة "القيادة"، فالوحدة هي الأصل وهي المبتغى وهي الأمل الكبير، والوحدة المنشودة هي في النضج وفي التفكير، وهي في الوعي بالأفق وخطورة الأفق، وهي قبل ذلك وبعده في الوعي بالأصل، بالتاريخ والأواصر.. وما جمعنا إلى الأمس القريب، وما بات يفرقنـــا بكل أسف، لا بل بكل مرارة وألم !..

لست أقول هذا من موقع الحاسد لاحتمال "قيادة الجزائر للأمة العربية"، ولست أرد على الدكتور قاسم مدفوعا من جهة ما، كما قد يندفع البعض بالقذف، فمن حيث المبدأ ليس لي أي مشكل، كما يمكنني أن أؤكد - بلا تردد - أن المغاربة ليس لهم أدنى عقدة من أن تتولى الجزائر الزعامة، "إن شاءت" على حد تعبير صاحب الرأي بالمقال، لكن المشكل ليس هنا..

ما ينقصنا بالتأكيد وبإلحاح، عدالة اجتماعية، وإرساء دعائم مجتمع متضامن يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، ومقومات العيش الكريم في نطاق التلازم الحازم بين الحقوق والواجبات.

وبراءة من الزعم من جهتي بالدفع بأحقية المغرب بالزعامة عربيا أو إسلاميا أو حتى جهويا، أود أن أقف عند القول "إن شاءت" الواردة مبهمة بعض الشيء في مقال الأستاذ قاسم ، لأربط بينها - بعد الإذن ممن يهمهم الأمر بدءاً بالكاتب - وبين مقولة الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين المدغدغة: "الجزائر مع فلسطين ظالمة أومظلومة"، وهي الجملة (الإشهارية) العظيمة التي جنت له شعبية شاسعة فاقت بكثير الرقعة الشاسعة (...) للجزائر، ولا شك أن آثارها لازالت حية - إلى حد ما - إلى اليوم، ولأقف لحظة عند قول الدكتور عبد الستار قاسم: "لقد استصرخت الجزائر مرارا عبر وسائل إعلامها، وطالبتها بمواقف في مختلف المحافل وإزاء كل السياسات التي تمس فلسطين، لكن القيادة الجزائرية بقيت مبتعدة، وهذا لا يجوز ولا يليق بالجزائر"، فكيف يعقل أن ننتظر مواقف مشرفة ومواقف صلبة وقوية من الجزائر في المحافل الدولية مساندة لحقوق الشعب الفلسطيني وللقضية الفلسطينية، وهي منشغلة كل الانشغال (ماليا، وسياسيا، ودبلوماسيا، وإعلاميا...) بقضية "الشعب الصحراوي" الذي "شاءت" أن تقف إلى جانبه بالغالي والنفيس، بل أبلت في إيثاره و "مصالحه" حتى على الشعب الجزائري ومصالحه كل البلاء !..

فهل يمكن للدكتور عبد الستار قاسم أن يؤكد لي أن الجزائر تساند وتمنح وترافع لفائدة القضية الفلسطينية العادلة بلا منازع، أكثر مما تساند وتمنح وترافع لفائدة عصابة البوليساريو التي صَنَعَتْ بهم ومنهم "دولة" قائمة متحركة (عبر الأمصار) بأموال النفط والغاز وكل الموارد والإمكانيات الخاصة بالشعب الجزائري المغلوب على أمره..؟

وهل الدولة (القائدة) التي تقف ضد الظلم والظالمين وتقيم العدالة بين الناس - أخذا من مقال الكاتب - تُقْدِمُ على تشريد الآلاف من المغاربة فجر يوم عيد الأضحى (أي نعم) في أبشع عملية طرد تعسفي ظالم جائر، وتسمح لنفسها ولهياكلها البوليسية المختلفة حتى بفصل الأم المغربية عن زوجها وأبنائها وبيتها لِتَرْمِيَ بها خارج الحدود الجزائرية في الجانب المغربي، وفصل الرجل المغربي من مقر العمل أو من السوق مباشرة ليلقى به خارج التراب الجزائري دون أبنائه وزوجته وممتلكاته..؟ !

إن القول بصحة أو صواب قيادة الجزائر لقاطرة الدول العربية لا أراه كمواطن عربي - بكل أسف (...) - إلا مجانبا للحق، بل يبدو لي منحازاً للظلم والطغيان والاستبداد، ونحن بصدد التأمل في قيم نصرة الحق وأصحاب الحق، ثم ونحن نتعاور من باب  نافذة  إعلامية لها ما لها من صيت وأهمية، أود أن أختم باستفهام في غاية الشرعية، لماذا تجاهل الإعلام بالجزائر على مدى أكثر من أربعة عقود الرأي الآخر والجانب الآخر في قضية الصحراء المغربية.. لماذا لم يتناول - ولو بالخبر دون التحليل - عملية عودة مواطنين صحراويين إلى أحظان الوطن الأم، وهم كثر، بعد أن كانوا ضمن صفوف البوليساريو أو محتجزين لديهم، بل منهم من كان قياديا بارزا "عسكريا" أو "سياسيا"، بل منهم من كان "سفيرا" حتى بالجزائر العاصمة..؟

ويبدو لي أنه إذا ظهر المعنى من التقاء "خيار" الجزائر لقيادة الأمة العربية، و"أهلية" حسن نصر الله "على مستوى الأشخاص"، ومناسبة "إيران لقيادة العالم الإسلامي بما فيه الوطن العربي" في حديث عبد الستار قاسم فلا فائدة من التعقيب.

                                                      22 رمضان 1439 الموافق 07 يونيو 2018.