عبداللطيف وهبي: ملتمس الرقابة للمعارضة أم سحب الثقة للحكومة؟

"أفضل حكومة هي تلك التي يوجد فيها أقل عدد من الأشخاص عديمي الفائدة" فولتير

أمام سطحية بعض من وزرائنا الذين عودونا التسرع في إبداء الرأي، أو تقديم أجوبة على أسئلة لم يطرحها عليهم أحد، والذي يكرس أزمة الحكومة برمتها، يجعل المعارضة على محك القيام بكامل أدوارها الدستورية والقانونية.

وفي ظل هذا السياق توجه الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة إلى برلمانيي حزبه، ليدعوهم إلى استعمال كل الوسائل القانونية والدستورية المتاحة، لممارسة معارضة قوية وجدية، وطبعا من هذه الوسائل ملتمس الرقابة، وحث الجميع على التفكير في هذه السبل، ليقوم نواب الأمة بمهامهم وأدوارهم الدستورية كاملة، واتسم هذا النقاش الذي دار بين الأمين العام وبرلمانيي الحزب، باستحضار أقصى درجات المسؤولية في إنتاج المواقف، بعيدا عن الشعبوية المقيتة وعن أي من الحسابات الحزبوية الصغيرة.

وفي المقابل فهذه الحكومة التي تعيش أزمة داخلية، سرعان ما خرج بعض أشباه الوزراء ليتكلمون عن هذه الوسائل، ولأن الأمر كذلك، فدعونا نناقش هذا الموضوع لتوضيح ما يلي.

أولا: إن ملتمس الرقابة ليس قرارا حزبيا يستند على الرغبات والأحلام، بل هو قرار و تصرف سياسي مبني على تحليل سياسي دقيق للوضع الاقتصادي والاجتماعي و السياسي للبلد، ومدى قدرة الوطن في تحمل رجة سياسية، فإعمال ملتمس الرقابة ليس دائما غير مأمون النتائج، فبالنسبة لنا ليس المهم أن تسقط الحكومة، ولكن الأهم هو التفكير في طريقة ترميمها مستقبلا، لذلك ليس من السهل العمل على إسقاط الحكومة دون التفكير فيما سيلي ذلك.

ثانيا: إن حجم عدد النواب البرلمانيين "النصف + واحد" القادر عمليا على إنجاح ملتمس الرقابة، يتحكم في اتخاذ هذا القرار، إذ في اللحظة التي لم تعلن أية قوة سياسية داخل الحكومة عن رغبتها في الخروج من الحكومة، فإننا مدركون أن ملتمس الرقابة سيصبح نوعا من التمرين السياسي، على الأقل على مستوى الأرقام داخل مجلس النواب، فملتمس الرقابة يحتاج بحسب الفصل 105 من الدستور، أولا إلى طلب يوقعه خمس أعضاء مجلس النواب، أي حوالي ثمانون نائبا برلمانيا، وهذا أمر ممكن التوفر عليه داخل المعارضة، وثانيا إلى التصويت بموافقة الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب، أي حوالي 198 من النواب البرلمانيين.

إننا مدركون جيدا، أن أحزاب التحالف الحكومي لا يجمعها لا برنامج ولا تصور مشترك، ولكن تجمعهم تلك القناعة المشتركة بالحفاظ على الكراسي والمواقع، وهي بالنسبة إليهم روابط كافية حتى لا يصوتوا على ملتمس الرقابة، رغم أن أحزابهم تؤدي الثمن باهظا عن هذا التحالف الحكومي الهجين.

لذلك فهذه المعطيات كلها تجعلنا نتدبر الأمر بهدوء ورزانة سياسية، وليست لنا رغبة مطلقا أن ندخل المغرب في نفق سياسي، غير أنه في المقابل تستعمل هذه الوسيلة الدستورية لإشعار الحكومة أنها تعاني من عجز سياسي، وأنها تسير بالبلاد نحو المجهول، وليس بالضرورة إسقاط الحكومة، لكون هذه الأخيرة إذا كانت فعلا تشعر بشرعيتها ومؤمنة بوحدتها وتحترم المواطنين "المقاطعين" الذين خلقوا موقفا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ضدها، إضافة أنه أمام الحديث الذي أصبح يطال وساءل التواصل الاجتماعي بضرورة رحيلها، فإنه كان على السيد رئيس الحكومة إذا كان فعلا يحترم نفسه أن يقدم على المسطرة التي ينص عليها الفصل 103 من الدستور، وهي طرح ملتمس منح الثقة، خاصة وأن وزيرها في حقوق الإنسان كثيرا ما استعمل هذا الفصل لإهانة نواب حزبه داخل لجنة العدل بمجلس النواب.

واليوم، بعد المأزق السياسي الذي تعيشه الحكومة بسبب المقاطعة، وتراكم الخلافات الحزبية داخلها، وظهور تناقضات بينها وبين فرقها البرلمانية، لدرجة أن رئيس الحكومة خلال الجلسة الشهرية بمجلس النواب الأسبوع الماضي، وقف نواب حزبه الذي هو أمينه العام، مصفقين لانتقادات فريق حزبه للحكومة الذي هو رئيسها، فهل على المعارضة أن تتقدم بملتمس الرقابة؟ أم على الحكومة أن تتقدم بملتمس سحب الثقة؟.

على كل نحن كحزب معارض سنتحمل مسؤوليتنا بالشكل المناسب، وفي الوقت المناسب، وبالقرار السياسي المناسب، و مع حلفائنا المناسبين.

*برلماني وقيادي بحزب الأصالة والمعاصرة