محمد الهيني: أزمة الجهل بالقانون والاتفاقيات الدولية تطارد المحامي ديكسون

إن البيان الثاني للمحامي البريطاني روني ديكسون بشأن قضية بوعشرين يكشف بالملموس للقارئ أو الدارس العادي للقانون أن استدعاء الأجنبي للاستفادة من خبرته القانونية أمام القضاء المغربي، أو في قضية معروضة عليه، ليس دائما على ما يرام، لأنه عندما نتكشف الجهل والأمية في قراءة النصوص والاتفاقيات الدولية في البيان تلو البيان، فلا يسعنا إلا الافتخار بمستوى نقبائنا ودفاعنا المغربي وبقضاتنا الأجلاء.

وفيما يلي أهم المغالطات التي تسربت إلى البيان الثاني للمحامي البريطاني روني ديكسون:

-البيان يستمر في تجاهل وسائل الإثبات العلمية في الملف، ويدعي أن الملف خال من الإثبات ثم يعود لا حقا ويدعي أن الأدلة مزورة، فكيف يمكن الجمع بين الأضداد؟

- عدم العلم بأن قاعدة البراءة هي الأصل لا تنتفي في جميع الشرائع والاتفاقيات الدولية مع اعتقال المتهم احتياطيا، لاسيما حينما تكون الجرائم خطيرة ومن شأن تركه في حالة سراح ارتكاب المزيد من الجرائم أو العبث بوسائل الإثبات أو الفرار من العدالة.

- صاحب البيان لا يعلم بأن زملاءه في هيئة الدفاع عن بوعشرين لم يلتمسوا خلال أكثر من 14 جلسة السراح المؤقت للمتهم من المحكمة، فكيف له أن ينتقد وضع الاعتقال الذي يسميه تعسفيا وهو لم يتقدم بأي طلب أو ملتمس بشأن إصلاحه أو معالجته؟

- البيان يضرب في عمق استقلال القضاء، فهل يقبل المحامي البريطاني بأن نخاطب دولته في قضية جنائية عوض أن نخاطب المحكمة بالوسائل القانونية والقضائية؟ إن البيان يتعمد خلط الأوراق بعد الفصل بين اختصاص الحكومة واختصاص القضاء، وفي ذلك جهل عميق بأدبيات استقلال السلطة القضائية وحظر تدخل أي جهة في اختصاصاتها أو توجيه تعليمات أو أوامر لها، وفقا للمبادئ الدولية لاستقلال السلطة القضائية.

- البيان يتجاهل كون سرية الجلسات استثناء معمول به في جميع التشريعات المقارنة والاتفاقيات الدولية، ولاسيما المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي تنص صراحة على أن:

1. الناس جميعا سواء أمام القضاء. ومن حق كل فرد، لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون. ويجوز منع الصحافة والجمهور من حضور المحاكمة كلها أو بعضها لدواعي الآداب العامة أو النظام العام أو الأمن القومي في مجتمع ديمقراطي، أو لمقتضيات حرمة الحياة الخاصة لأطراف الدعوى، أو في أدنى الحدود التي تراها المحكمة ضرورية حين يكون من شأن العلنية في بعض الظروف الاستثنائية أن تخل بمصلحة العدالة"، فلماذا تغاضى البيان عن مضمون هذه المادة بعدما كان يتغنى سابقا بنصوص العهد؟ وهذا يتوافق كليا مع المادة 302 من قانون المسطرة الجنائية.

- البيان لا يميز بين سرية الجلسة وسرية المحاكمة، وهذا تمييز بديهي يدركه الطالب المبتدئ بكلية الحقوق؛ فليس المقصود بسرية الجلسة سوى عدم حضور الأغيار غير المعنيين بالحكومة، وذلك لا يمنع المحكمة من الاستماع لأطراف الدعوى والشهود وعرض جميع وسائل الإثبات ومناقشتها، وسيكون بوعشرين ودفاعه على علم بالادعاءات المنسوبة إليه بشكل مفصل بخصوص كل من الضحايا المفترضات، كل واحدة من هن على حدة، وتمكينه من مواجهتهن أمام المحكمة. وبالتالي، فليست المحاكمة سرية كما يدعي المحامي البريطاني لأن المحاكمة السرية هي المحاكمة خارج القانون.

- البيان لم يطلع حتى على منطوق قرار المحكمة لأنها قضت بحكم مستقل بعدم قبول الطعن بالزور الفرعي في الوثائق، في حين إنه يدعي بأن المحكمة رفضت البت بحكم مستقل فيه، إلى هذه الدرجة وصل التجني وقلب الحقائق بتحريف منطوق حكم واضح وصريح.

- المحكمة لم تستبعد الوثائق المدعى فيها الزور لأن دفاع بوعشرين لم يسلك مسطرة الزور وفقا لقواعدها الشكلية، وقضت فيها المحكمة بعدم القبول؛ لذلك فهذا النقد موجه إلى زملائه في هيئة الدفاع وليس إلى المحكمة.

- المحكمة لا تحدد أطراف الدعوى، وإنما المتابعة ووقائع الملف وإرادة الأطراف هي التي تحدد ذلك، وهذه قاعدة بديهية.

- استدعاء المحكمة للمصرحات لا يعني أنهن أطرافا في الدعوى طالما لم ينتصبن كمطالبات بالحق المدني، ويملكن في تصريحاتهن أمام المحكمة وبكل حرية الإقرار بوقائع الشكاية أو التراجع عنها، وليس في ذلك تهديد ولا وضغوطات، وتملك المحكمة قانونا استدعاء جميع الأشخاص في إطار البحث عن الحقيقة وإحضارهم في حالة عدم استجابتهم لذلك لتعلق الأمر بحريات وحقوق أشخاص جديرة بالحماية.

البيان يغالط نفسه قبل أن يغالط الرأي العام لأن بوعشرين لا يحاكم من أجل قلمه، وإنما يحاكم من أجل أفعال جرمية خطيرة مرتكبة ضد سيدات عدة، أثارت فزع الرأي العام وتقع تحت طائلة القانون الجنائي، لأن الدستور والقانون المغربي والتشريعات المقارنة لا تحصن الصحافي من جرائم الحق العام وتدخل ضمنها الاعتداءات الجنسية، احتراما لمبدأ المساواة أمام القانون والقضاء.

- المحكمة لن ترفع السرية ببيان ولن تسمح بجلسة علنية، لأن الشفافية اللازمة متوفرة بحضور المعنيين بها، أما الأغيار، من قبيل المراقبين والملاحظين، فلا مجال لحضورهم فيها، لأنه لن ينقص أو يزيد حضورهم شيئا، لأن البيان أقوى تعبير عن أن الحضور من عدمه سيان؛ فالفراغ والجهل سيد الموقف، لأن حق الدفاع أو الملاحظة فهو مستمد من الحجة والدليل والبرهان بضمير ومسؤولية وحياد، وليس التضليل وتلفيق النصوص واختراع القصص من وحي الخيال والتجني على القانون والاتفاقيات الدولية وأحكام القضاء؛ فرجل العلم يضع مسافة أخلاقية وعلمية بين الدفاع وملاحظة المحاكمات وبين قول أي شيء لخدمة الزبون في إطار العملية التعاقدية بمقابل.

- قول البيان إننا سنكون أمام محاكمة مخجلة أمام المنتظم الدولي لو تمت إدانة بوعشرين في هذه الظروف وبناء على هذه المعطيات، مسألة خطيرة، لأننا مازلنا في المحاكمة؛ فكيف يتحدث المحامي البريطاني عن الإدانة؟

أما التهديد بالمحاكم الدولية، فلبرما أن محرر البيان لا يعرف شيئا عنها، لأن القضية ما زالت في بدايتها ولم يصدر بشأنها أي حكم. وبالتالي، فلا ينعقد الاختصاص لأي جهة كيفما كانت بالنظر فيها أو التعقيب عليها.

وكيفما كان الأمر، فما زلنا نرفع التحدي بأن التقاضي الدولي لن يفيدكم في شيء، لأنه بمجرد الاطلاع على وسائل الإثبات العلمية وصدقيتها ستتبخر كل أحلامكم وأمانيكم، والمغرب بقضائه ودفاعه أقوى من تهديداتكم وببياناتكم اليتيمة قانونا غير المنتجة قضاء.

*عضو هيئة الدفاع عن ضحايا بوعشرين