عبد اللطيف وهبي: مرحى حزب الاستقلال

((السياسة في الحياة تعني أن الواقعي يكون دائما في المعارضة))

ظل حزب الاستقلال يثير اهتمامنا باستمرار، كمدرسة سياسية متميزة في تاريخ المغرب، ساهم بشكل كبير من خلال قيادته للنضال الوطني، في بناء تاريخ الصرح السياسي في وطننا، سواء من موقعه في السلطة، أو حتى من تموقعه داخل المعارضة، ومن تم شكل معادلة لا يمكن تجاوزها داخل العملية السياسية الوطنية عبر التاريخ المعاصر، مستمرا في لعب أدوار متميزة وأحيانا مركزية في صناعة القرار، كما كانت له مبادرات فكرية وسياسية محورية موضوع مناقشات نظرية وسياسية، اختلف حولها البعض وتحلق حولها الأخرون، كما كان دائما مصدر إنتاج نخب و أطر تموقعت في مستويات عالية داخل الهياكل العليا للدولة.

ورغم أن هذا الحزب عرف الكثير من المطبات التنظيمية والسياسية في مساره، فإنه كطائر الفينق سرعان ما ينبعث من الرماد قويا قبل سابق عهده، وما يؤكد ذلك مواقفه الأخيرة التي اتسمت بكثير من العقلانية والمراجعات، قادته إلى إعادة النظر في هياكله الحزبية بسلاسة تنظيمية ووحدة حزبية راقية.

فحزب الاستقلال عاد اليوم إلى المعارضة، وخرج من أزمته التنظيمية والسياسية، متبنيا قرارا بالانحياز إلى صف المعارضة في احترام تام لاستقلاليته التي ظل دائما يسعى ويصارع للحفاظ عليها.

وإذا كان هذا القرار أثار حفيظة البعض، فإنه في المقابل قد أثلج صدري كسياسي وبرلماني، ليس نكاية في أي طرف سياسي آخر، ولكن من موقعي الحزبي كبرلماني ضمن المعارضة، أشعر بأنه من الشرف أن يكون حزب الاستقلال برصيده التاريخي ضمن صفوف المعارضة.

إن حزب الاستقلال بتاريخه السياسي العريق، وبوزن قياداته الوطنية و شخصياته المتميزة، وبرؤيته العميقة الحاضرة بقوة عبر التاريخ السياسي لبلادنا، يعد إضافة نوعية للمعارضة في هذه المرحلة، و سيشكل لا محالة بمعية حزب الأصالة والمعاصرة معارضة جديدة جادة وفاعلة، وذات تأثير كبير في الساحة السياسية إذا أعاد حزب الأصالة والمعاصرة النظر في خطه السياسي وهياكله التنظيمية.

فحينما يكون سياسيا بجانبك حزب تاريخي بحجم حزب الاستقلال، بوزنه وزخمه الفكري والسياسي، فإنك تتيقن بأن المعارضة ستأخذ أبعادها الجدية والموضوعية، فقط علينا نحن في حزب الأصالة والمعاصرة أن نعيد النظر في خطواتنا وفي طبيعة تعاملنا مع مواقفنا في المعارضة، ليس لننافس أو لنهيمن، ولكن لنتكامل ونتعاون ونسهم في بلورة فكر سياسي معارض وتصور حزبي مشترك، لخلق بديل سياسي حقيقي عن الأغلبية الحكومية.

لذلك فحزب الأصالة والمعاصرة مدعو اليوم بعد خطوة حزب الاستقلال هاته، إلى التحلي بالشجاعة السياسية اللازمة والنزاهة الفكرية للقيام بنقد ذاتي، وتملك الشجاعة لصنع انعراج كبير في اتجاه إعادة بناء مشروعه السياسي، وتثمين الفكرة التي تبلور من أجلها الحزب، وكذلك لخلق علاقة جديدة مع باقي الأحزاب السياسية الأخرى، تكون مبنية على الحوار والاحترام المتبادل، ورفع مستوى النقاش والابتعاد عن عقلية المؤامرات والألفاظ المخزية.

إن الوجود في المعارضة أو داخل الأغلبية هو شيء عادة ما تمليه طبيعة تركيبة مؤسستنا الدستورية والمرحلة السياسية، وعلى الكل أن يساهم من موقعه في التفكير من أجل بناء مرحلة سياسية جديدة، تتلافى فيها أخطاء الماضي وبعض من تصرفات الإستقواء، أو حتى الإدعاءات الخاصة والمتفردة لامتلاك الشرعية الدينية والأخلاقية، فالمغرب بلد يستحق أن تكون له أغلبية ذات مستوى سياسي راق، ومعارضة تساهم بكل نزاهة وجرأة في إثارة قضايا الوطن والانتقاد الموضوعي للأغلبية.

حقيقة نتمنى أن يكون قرار حزب الاستقلال الأخير، فاتحة أبواب مرحلة سياسية جديدة، تساهم فيها كل الأطراف، لأن الجميع تعب من الهزالة، وقتلته الانتظارية ومحاولة إلغاء الآخر.

فبعد هذا القرار أنا متأكد أن الكثير من القادة التاريخيين لحزب الاستقلال سيرتاحون داخل قبورهم، وكثير من قادة أحزاب أخرى سيتقلبون على كراسيهم دون أن يجدوا للراحة سبيلا، وربما الأريج التاريخي لحزب الاستقلال سيدفع حزبا وطنيا آخرا عودنا باطلالات سياسية راقية، إلى إعادة النظر في ذاته هو بدوره، ليلتحق بركب التوجه الوطني العقلاني، وعلى كل نحن كلانا في انتظاره.