عبد المجيد مومر الزيراوي: بيني و بين مايسة سلامة الناجي ؟!

عزيزتي مايسة سلامة الناجي ؛

أجدد لك التأكيد الجميل على أن الشباب يبلغ مقام التحضر و صنع حضارة بلاده المتميزة بحفظ نظامها و المعرفة و التعلم ، و ليس بالفوضى والتسيب و التواكل و الابتزاز. فَكُلُّ متتبع لمسار التفاعلات القانونية و التأثيرات السياسوية المُصَاحِبَة لجلسات محاكمة المعتقلين في ما يعرف بملف أحداث الحسيمة ، أصبح يدرك صراحة هوية من على عاتقه واجب النقد الذاتي .

 مثلما أصبح الجميع يسمع أيضا عن هوية من أوهم بعض شباب إقليم الحسيمة بغنائم على شاكلة الخريف المشرقي التي يعتبرها القانون المغربي جرائم لم يتم التبليغ عنها . وذلك من خلال إتباع أجندات ماضوية قَوْلَبَتْ اندفاع الشباب ليس باتجاه الرغبة في تحقيق المطالب المشروعة لساكنة إقليم الحسيمة ، وإنما باتجاه تَحَيُّن الفرص من أجل تصفية حسابات صراع فوق- شبابي ،  وفق سلوك الثأر السياسوي الذي لا يمكن الارتكاز عليه لبناء انتقال ديمقراطي سليم أو لتحقيق مطالب إجتماعية و إقتصادية ضمن مسار التضامن الاجتماعي بين جميع بنات و أبناء الشعب.

عزيزتي مايسة سلامة الناجي؛

إن خطأ الشباب كان ولازال سببه الانسياق بعقل عاطفي وراء خطاب سياسوي ينهل من قاموس التضليل و الركوب على مآسي شباب هُم قيْد المحاكمة ، شباب تلعب بمصيرهم تصريحات الشيخة اليسارية النبيلة  و معها سفهاء الاسترزاق السياسوي بحقوق الإنسان . و كذلك بعض الشعبويين ذوي الألوية السوداء الذين يستفيدون من انتشار داء تَحَجُّر العقليات ،  الذي انتقلت عدواه إلى بعض الشباب كذلك الذين يتسللون وسط الحراكات بأقنعة " ثورية " لتأجيج الأوضاع مع رفض سبيل الحوار العقلاني المُنْتِج بشكل لا يعكس حقيقة التطلعات الحداثية للشباب من رفع مطلب التغيير السلمي.

 وكان أن تحول حراك الحسيمة إلى اصطدام شبابي- شبابي منذ بداياته، مما أضر كثيرا بتماسك الجبهة الشبابية وجعل المُحَرِّض على الإحتجاج يظهر بصورة المراهق السياسي الذي بقدر ما يملك من قوة للنزول إلى الشارع ، يفتقر إلى حد أدنى من الوعي المعرفي الحداثي الذي يتيح له إمكانية تمييز الرغبات المسكوت عنها للتوجهات السياسوية الداعمة التي الْتَفَّت بِخُبْثِ السياسةِ حول فرصة الشباب في إحقاق التغيير السليم لفائدة ساكنة المنطقة بشكل عام و ليس اعتماد أسلوب الإحتكار الشعبوي لمفهوم النضال و لتفسير الغايات من الاحتجاج .

 فالمأمول من كل حراك احتجاجي  يظل انعتاق الشباب نحو نور المعرفة لملامسة مفاهيم الكرامة والحرية كقيم أساسية لضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. غير أن حسابات المُتَحَكِّمِين في قيادة الحراك سارعت إلى تفريغ كبتها السيكولوجي و جعلت الحراك مثل الوعاء الاحتجاجي الذي انكسر بيد حامله المُحْتَج وعلى يد داعمه المُسْتتر-المكشوف.

عزيزتي مايسة سلامة الناجي ؛

إن أدلجة المطالب الاجتماعية المشروعة بأفكار ماضوية غير عقلانية ، ظلت ” راقدة ” سياسيا وظن حَمَلَتُها أن الحراك فرصة لربيعها المجتمعي، هذه الأدلجة الفارغة من طيِّبات النضال هي الخطأ القاتل الذي أفشل عملية الالتحام الشعبي الوطني حول الشباب والتعبير المُتضامن لباقي الجهات المغربية.

ثم تاهت مع الخطأ الجسيم شعارات الكرامة والحرية في متاهات تخوين الآخر (الشريك في الوطن) وصراع الهيمنة حول هوية من سيصل بالحراك حتى يبلغ به شاطئ السلطة.

 وهنا أيضا أخطأ قادة حراك الحسيمة أهدافَههم ووسائلَهم في شقيها الذاتي والموضوعي. فإذا كانت تطلعات المجتمع إلى الكرامة والحرية مشتركة مع الحراك فإن المقاربة والأسلوب يختلفان عنه.

ذاك جواب المرحلة الماضية ، فَوَعي باقي الفئات الشبابية  يجعلها ترفض أن تشكل " رَاحِلَة " تحمل صراعات بعض النخب السياسوية و دسائسها المفضوحة . رغم استمرار السعي الدؤوب لهذه الفئات الشابة المُسْتَضْعَفَة نحو تحقيق الارتقاء الاجتماعي و تحسين وضعيتها الهشة ، و بالتالي لا يجب حصر حرية اختيارات الشباب في التبعية لأجندات سياسوية ضيقة أحلاها محافظ على ” مؤامراته  “.

إن  وعي الشباب  يجب أن يتجدد إيجابيا بالمشاريع الحداثية المنتجة لحراكه السياسي الحداثي المتضامن لإحقاق الانتظارات الشبابية الكبرى :

  • التأويل الحداثي للدستور .
  • الجهوية المتضامنة .
  • العدالة الاجتماعية.

و يبقى اعتماد الشباب على مبدأ النيوريالزم السياسي  في إستكمال مسار إعادة توزيع السلط بين المركز والجهات ( الجهوية المتقدمة ) ، يبقى الضمانة الدستورية التي لا محيد عنها لتجنيب الوطن المغربي خطر الإرهاب و الجُرْم الانفصالي و تدبير الإختلالات الاجتماعية و المجالية  ، من حيث أنه نهج عقلاني عملي لتأمين تدبير تشاركي للشأن العام بمساهمة فاعلة وفعالة لكتل سياسية جهوية شابة واعية حرة و مسؤولة قادرة على تدعيم مسيرة البناء الديمقراطي السليم بالمغرب و استكمال الإنتقال نحو دولة المُوَاطَنَة الدستورية لجميع بنات و أبناء الشعب المغربي.

الديمقراطية أولاً و أخيراً

 

عبد المجيد مومر الزيراوي