رأي

محمد الفرسيوي: اليوسفي و"أحاديث فيما جرى"؟

سي عبد الرحمان اليوسفي أطال الله عمره، وهو يُغذي في 8 مارس المقبل، مَتْنَ الفكر السياسي والسير-ذاتي بالمغرب بمؤلفٍ في أجزاء، بخصوصِ تجربةٍ طويلةٍ مِنَ العمل السياسي، معارضةً للحكمِ وإسْهِاماً فيه، وذلك مِنْ موقعِ ما بات معروفاً بحكومة التناوب... ما عَساه أن يُضيف، لما قِيلَ وكُتِبَ عن فترةٍ تاريخيةٍ ممتدةٍ على أكثر من نصفِ قرن... مِنْ أواخرِ مرحلةِ النضالِ الوطني ضد الاستعمار، إلى مراحل النضالِ السياسي وغيره، التي امتدتْ في التجربة الخاصة إلى حين الاعتزال الاضطراري، أوائل الألفية الحالية...؟

لا شك أن الحكمةَ، ومعها حصافة العمر والتجربة، لن تخوضَ أبداً فيما قد يُحيي الجراحَ القديمة أو فيما يُغذي الصراعاتِ القاتلة في الحاضرِ أو المستقبل. ومما لا شك فيه أيضاً، أن الهاجسَ الأكبرَ الذي قد يشغل مثل هذا التأليف، هو الدروس والعبر المستخلصة من تجربةٍ حية، مؤلمةٍ وبناءةٍ في أنٍ واحد.

بيد أنني في هذه السطور، وفي انتظارِ أن تصبحَ "أحاديث فيما جرى" بين يدي كقارئٍ محتملٍ عادٍ، مُنشغلٌ فقط بسؤالِ تجنيسِ هذا النوع من الكتابات أو التأليفاتِ، سيما وأن الذاتَ الكاتبة، وفعلَ التذكرِ أو الاسترجاع، وعملياتِ الانتقاءِ أو انتخابِ الأحداثِ والأحاديثِ والنصوصِ والوثائق... سيما وأن الذاتَ المبدعةَ ومثل هذه المسائل، تتداخلُ بالموضوع، إلى حد التلاحمِ أو الحلولِ المتبادل، في الأعمالِ الأدبيةِ عموماً، وفي الأجناسِ السير-ذاتية تحديداً.

في كل الأحوال أوِ السياقات، الخطابُ- أي خطابٍ كيفما كان جنسُ أو أجناسُ الكتابةِ التي قد تخترقه أو تُميزه في الشكلِ قبل المضمون- يظل مفتوحاً على القراءاتِ المتعددةٍ والمختلفةِ، وعلى كل التأويلاتِ المفتوحةِ والمحتملة... ويظل أيضاً، في متناولِ ذوي التخصصِ من الباحثين، كما يبقى دوماً موضوعاً للقراءاتِ المتزنةِ أوِ الآثمةِ، العميقةِ أوِ الخفيفةِ معاً، جَراءَ الانتماءاتِ المتنوعةِ للقراءِ واختلافاتِ تجاربهم ومواقفهم المكتسبةِ وأفقِ انتظارهم أيضاً .

لذلك، أُخمنُ بحسبِ معلوماتي وتجربتي المتواضعة طبعاً، أنْ لا يمتد الفضولُ كثيراً بالمهتمين والمتتبعين والمعنيين أول الأمر، إلى شَغَفِ معرفة الجديدٍ في "أحاديث فيما جرى" قبل أزمنةِ منتصفِ تسعينيات القرن الماضي...؟ لا لأن كل تفصيلاتِ أوْ تفاصيل ذي الأزمنةِ باتتْ مكشوفةً أو معروفة، ولا لأن ما كُتِبَ فيها أوْ حولها قد أشفى كل الغليل، ولكن فقط لأن معظمَ الأجيالِ الجديدةِ الحاليةِـ أو ما تبقى من الأجيالِ التي قبلها، تريدُ أنْ تعرف ... أنْ تعرف، ومِنَ الأخير"...؟

"ومِنَ الأخير...؟"، معناه ما جرى في الأمةِ ويجري فيها، منذ ما سُميَ بالربيعِ العربي... ومعناه ثانيةً، كيف انهارَ "حزب القوات الشعبية" ومعه "الفكرة لاشتراكية" في ملابساتِ ما عُرِفَ بحكومةِ التناوب، وما بعدها...؟ ومعناه، أخيراً وليس آخراً، الإسهام تنويراً في الجواب عن سؤالِ؛ ما العمل؟ بعد إنجازِ استحقاق؛ ماذا كنا نعمل؟

ما لا يُدْرَكُ كله، لا يُتْرَكُ بعضُهُ أو جُله... فهنيئا لمكتبتنا الوطنية بهذا التأليف، لِمَتْنِ الفكر السياسي المغربي بهذا الإنجاز... وكل التحيات لسي عبد الرحمان، ولمن من طينته الوضاءةِ، جهاداً وخلقاً وعطاءً جارياً، أبداً.