قضايا

ماهي أسباب تعنيف المرأة في المجتمع المغربي؟

الدكتور جواد مبروكي

عندما يشخص الطبيب المرض وأسبابه لا يكرر عملية التشخيص آلاف المرات فتقع المصيبة ويتبعها الندم. عندما يشخص الميكانيكي خللا في محرك السيارة لا يستمر في عملية التشخيص وإعادتها ألف مرة. عندما ينهي القاضي التحقيق ويصل إلى الحقيقة لا يستمر في تكرار التحقيق آلاف المرات.

أتساءل لماذا نشخص في كل سنة العنف ضد المرأة المغربية ونكرر الإحصائيات التي تتضاعف سنة بعد أخرى ونحدد الأسباب، ثم ننتظر السنة المقبلة لنعيد الأبحاث والدراسات والإحصائيات ونتأكد من جديد من التشخيص نفسه ونحدد الأسباب ذاتها ويؤخذ قرار الحد من العنف ضد المرأة؟

أعرف أن كل سنة، وحتى طيلة السنة، تتخذ قرارات وإجراءات للحد من هذه الظاهرة التي تتنافى مع مجتمع يدعي أنه "يُعزّ ويكرم المرأة". هذه الحلول المقترحة التي تعزز كل سنة بحلول جديدة أثمنها، مثل اقتراح كاميرات ثابتة والزيادة في إنارة الشوارع وهذه أشياء محمودة ولها دور كبير.

وبدوري سأساهم في تقديم بعض الأسباب لهذه الظاهرة، لكن للأسف لن أقدم الحلول لأني لا أمتلكها ولا أحد يمتلكها لمفرده. الحلول تتطلب مجموعة من الشروط، منها المشاورة بين كل أطراف المجتمع، وبالخصوص مع الضحايا من النساء وهن من يعشن هذه التجارب المؤلمة والمهينة والقاسية، وأنا على يقين كامل، بحكم تجربتي الميدانية، أنهن يمتلكن عددا كبيرا من الحلول للقضاء بصفة نهائية على هذه الجريمة البشعة والمرتكبة من طرف الرجال.

1. تعريف العنف ضد المرأة:

رغم أنه أنواع مختلفة، فلا فرق بين عنف خفيف وعنف حاد، العنف يبقى دائما عنفا:

- الضرب باليد وبجميع الوسائل

- السب والشتم و"المْعْيورْ" و"البْصْقْ الجاف" أو "البْصْقْ السّائلْ"

- إهانة المرأة باعتبارها ناقصة عقلا ودينا، وأقل مرتبة من الذكر اجتماعيا، وأن دورها يقتصر في الحمل والولادة وتربية الأطفال وتنظيف المنزل وتحضير الطعام وتنظيف الملابس، وأنها "شيء جنسي"، دورها تلبية الرغبات الجنسية للزوج في أي وقت وفي جميع الظروف، وأن الملائكة تغضب عليها إذا رفضت تلبية الغرائز الحيوانية الجنسية لزوجها، وأن لا حق لها في التمتع بنفس الحرية والسيادة مثل الذكر وعليها الحصول على موافقة الزوج حتى تسافر أو تزور والديها، وأن لا حق لها في التصرف بكل حرية في الميزانية المالية للمنزل، وأنها ليست "ربة العائلة" في حين هي التي أنجبت الأطفال وليس الرجل، لا حرية لها في اختيار طريقة وشكل وأنواع لباسها، لا فائدة لها من الدراسة أو العمل خارج البيت، لا حق لها حتى في اختيار شريك حياتها بل في بعض الأحيان يتم قرار تزويجها وهي قاصر كما يقرر الفلاح لأي ثور سيهدي بقراته!

- الحرمان المادي وحتى من متطلباتها الشخصية كامرأة.

يتضح أن عدم وجود أي وسيلة لمراقبة العنف والإهانة، وهل المراقبة هي الحل لوضع الحد للعنف ضد المرأة؟

2. الأسباب:

تتلخص الأسباب حسب تحليلي وانطلاقا من أرضية الواقع في3 نقط:

- غياب مفهوم المساواة بين الجنسين:

يرفض المغربي مفهوم المساواة ويُخيفه، سواء عند الذكر أم الأنثى، لأن هناك خلطاً بين المساواة الطبيعية والمساواة في الحقوق.

أ-الاختلاف الطبيعي: الطبيعة خلقت الجنسين مختلفين تماما ومن المحال تحقيق المساواة من هذه الناحية وهذا أمر بديهي، ولهذا يرفض المغربي مبدأ المساواة بين الجنسين لأنه يفهمه فقط من هذا الباب ويرى أنه من المستحيل المساواة في الأدوار وهذا شيء بديهي كذلك. يختلف الجنسان بالفعل من الناحية الغريزية والبيولوجية والجسدية والفكرية والدماغية.

مبدأ المساواة يعترف بهذا الاختلاف ولا يجعله معيار للمقارنة ولكل جنس طبيعته ودوره، ولكن ليس كل الأدوار وإنما بعضها فقط. تتحدد هذه الأدوار بين الزوجين بعد المشاورة وتختلف من بيت إلى آخر والأهم هنا هو أن لا يشعر طرف بأنه ضحية في مؤسسة الزواج بل يشعر كل طرف بأهميته وتكامله مع الآخر لتحقيق الراحة والطمأنينة والسعادة.

ب-الاختلاف في الحقوق عنفٌ: مفهوم المساواة يهدف إلى تسوية وضعية المرأة لتتمتع بنفس حقوق الذكر ولا شيء يبرر الظلم من هذه الناحية. وهنا كذلك يقع الخلط عند المغربي لتقبل هذا المبدأ لأنه مثلا من الناحية الدينية ليس هناك مساواة في الإرث. في الواقع ليس هذا بمانع لتحقيق المساواة في الحقوق لأن ما ينص عليه الدين هو من اقتناع الفرد ويطبقه باقتناعه وهذا أمر يحترم.

لكن أن يستغل الذكر هذا التشريع الديني في الإرث ويؤوله ويوسعه إلى جميع المجالات فهذا ليس من الإنصاف. مثلا منع الفتاة من التمدرس أو متابعة دراستها العليا خارج الوطن لأنها امرأة وليست رجلا فهذا ظلم.

مثلا توقيف الفتاة من الدراسة من أجل الزواج رغما عنها هذا ظلم كذلك. حرمان الفتاة من الحرية مثل التي يتمتع بها الذكر لأنها أنثى فقط ليس من العدل. منع الزوجة من العمل خارج البيت ليس من العدل كذلك. فهذه الأمثلة لا علاقة لها بشريعة الدّين ولكنها من إبداعات الذكر للسيطرة على الأنثى تعسفا.

- معيقات التربية:

أ-العنف: التربية المغربية كلها عنف (معنوي ولفظي وجسدي) ويُرسخ في ذهن الطفل أن العنف شيء طبيعي في التربية ونظام البيت. وبما أن الذكر يعتبر أن الأنثى ناقصة عقلا فهي في حاجة إلى التربية على الحياة الزوجية، ولهذا يستعمل العنف عند الحاجة وتتقبل الأنثى هذا العنف لأنه رُسخ في ذهنها وهي صغيرة أن هذا أمر طبيعي وحتى ديني!

ب-الأنثى خادمة للذكر: يُرسخ هذا المبدأ عند الأنثى على أنه أمر ديني ويجب الخوف وطاعة الذكر.

ت-الأنثى ناقصة عقلا وشجاعة: تُرسخ كذلك هذه المفاهيم عند الطفل وتتحول إلى مسألة طبيعية بحيث تحتقر الأنثى قُدراتها أمام قدرات الذكر.

- اعتبار جسم المرأة عورة وليس جسم الذكر

- اعتبار الدورة الشهرية خللا في جسم الأنثى ونجس، وهذا له تأثير سلبي عظيم في مخيال الفتاة والفتى.

مهما كانت الحلول المقترحة لتجنب العنف ضد المرأة ستكون قاصرة جدا إذا لم تتغير عقلية الجنسين ويُرسخ فيهما منذ صغرهما مبدأ المساواة، وأنهما كجناحي طيرين للمجتمع إذا لم يكونا متساويين ومتناغمين، فلن يطير أبدا هذا الطير إلى سماء التقدم والسلم والرخاء.

*خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي