قضايا

الحرف المناسب لكتابة الأمازيغية

عبدالسلام بنعيسي

لم يحقق تيفناغ الإجماع حوله. الكثيرون من النشطاء الأمازيغ ينتقدون، في مواقع التواصل الاجتماعي، اختيار هذا الحرف في ليركام وسيلة لكتابة الأمازيغية، ويعتبرونه اختيارا فاشلا، لأنه أدى، في نظرهم، إلى تعليب الأمازيغية وتحنيطها، وحولها إلى قطعة أثرية في بازار، أو شبه مومياء لا روح فيها. إن تيفناغ، بالنسبة لرافضيه، حرف يبدو غريبا على حروف عصره، وليس عمليا، ويبدو كأنه أداة للتميز الفارغ، والزينة المغشوشة، ولفرض الذات، بطريقة استعراضية مهزوزة، وليس حرفا أهلا للكتابة وللتدريس، ولترويج الأمازيغية على أوسع نطاق، ويطالبون، تبعا لما سبق، بالتخلي عن تيفناغ، والكتابة بحرف غيره، ويركز أغلب النشطاء الأمازيغ الذين يرفضون حرف تيفناغ، على ضرورة استبداله بالحرف اللاتيني..

لكن إذا افترضنا أن قرار التخلي عن تيفناغ تم اتخاذه والموافقة على ذلك، فما هي حظوظ الحرف اللاتيني، كأداة لكتابة الأمازيغية، من القبول اجتماعيا ودستوريا؟ هل سيسمح البرلمان، والحكومة، والمجلس الدستوري، والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، والصحافة، والرأي العام المغربي باختلاف مكوناته، بكتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني، وتدريسها وتعميمها على باقي المغاربة بهذا الحرف؟

الدستور المغربي واضح في بنوده، إنه يقول التالي: تظل العربية اللغة الرسمية للدولة. ويضيف كذلك: تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء. فنحن أمام لغتين شقيقتين رسميتين للدولة المغربية، وإذا كانت الأمازيغية في حاجة إلى حرف لكي تتم الكتابة بها، بعد أن عجز حرف تيفناغ عن تحقيق الهدف من استحداثه، فالأجدر دستوريا، هو أن يكون هذا الحرف هو الحرف العربي، فليس منطقيا ومقبولا أن تتخلى الأمازيغية عن حرف للغة وطنية رسمية للدولة تتقاسم معها التراث، والعيش المشترك، والمصير الواحد، ألا وهي العربية، وتلجأ إلى لغات بعيدة عن الوطن، ومن خارجه لتستعير منها الحرف الذي تُكتب به. هذا تصرف ليس له أي معنى، وخال من أي حكمة، أو تبصر، أو تغليب للمصلحة الوطنية.

اختيار الحرف الذي تكتب به اللغة جزء من السيادة المغربية، فالتخلي عن الحرف العربي المغربي الموجود في البلد منذ قرون وقرون، والمتضمن لكل تراثنا وذاكرتنا الجمعية المكتوبة، لاستعارة حرف أجنبي وكتابة لغة وطنية به، يشكل ضربا للسيادة الوطنية، وتجاوزا على الدستور، فلو لم تكن لدينا العربية لغة رسمية للدولة، لكان بالإمكان استيراد الحرف اللاتيني لنكتب به أمازيغيتنا، سنكون وقتها مجبرين لا مخيرين على فعل ذلك، ولكن ما دام لدينا الحرف العربي الذي تكتب به اللغة الدستورية في البلاد، فالأولى أن نكتب به الأمازيغية أيضا بدل الحرف اللاتيني.

لسنا كمغاربة في حاجة لاستيراد الحرف اللاتيني، الدولة المغربية موجودة وقائمة فوق هذه الأرض لمدة زمنية تقارب 14 قرنا، إننا في غنى عن أي حرف أجنبي، ما دام لدينا حرفنا العربي الذي نكتب ونتواصل به منذ أن عرفنا طقوس الكتابة والتأليف إلى اليوم. فلماذا لا نكتب بهذا الحرف أمازيغيتنا؟ بماذا سيضر الأمازيغية فيما لو أنها كتبت بالحرف العربي، وصارت تُدرَّس بواسطته؟ ألا يجعلها ذلك أقرب إلى ذهن كل التلاميذ المغاربة سواء كانوا من أصول عربية أو أمازيغية؟ ألا يمكن أن تصبح في متناولهم ويتعلمونها بشكل أسهل مما لو أنها كانت مكتوبة بالحرف اللاتيني أو تيفناغ؟

التخلي عن الحرف العربي لاستيراد الحرف اللاتيني لكتابة اللغة الأمازيغية بواسطته، أشبه بالتخلي عن العملة الوطنية الدرهم في التعامل بين المغاربة، بكل الرموز السيادية التي تتضمنها هذه العملة، لاستبدالها باليورو، أو الدولار كعملة وطنية. الدعوة إلى القفز فوق الحرف العربي وكتابة الأمازيغية باللاتيني، لا تختلف، شكلا ومضمونا، عن الدعوة إلى تحويل ترديد النشيد المغربي باللغة العربية، إلى لغة أجنبية، فرنسية، أو إسبانية، أو إنجليزية، ومطالبة المواطنين المغاربة بترديده بواحدة من هذه اللغات الغريبة عنهم، وجعل النشيد الوطني في أذهانهم مرتبط بها. في هذه الحالة بماذا سيكون النشيد وطنيا، إن لم يكن بلغة وطنية، وكيف ستكون الأمازيغية لغة وطنية، وهي مكتوبة بحرف أجنبي غير وطني؟

وظيفة اللغة الوطنية الأساسية هي العمل من أجل تحقيق التفاهم والاندماج بين جميع مكونات الوطن الواحد، في إطار تعددي يؤمن للمواطنين تنوعهم وثراءهم الثقافي والمعرفي، والحفاظ على وحدتهم الوطنية الموروثة من الأجيال السابقة، ويحث الدستور المغربي على أن من مهام الدولة التي يتعين عليها أداؤها في هذا الباب، هي أن:" تسهر على انسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية". وبطبيعة الحال لا يمكن لهذا الانسجام اللغوي أن يتحقق، كما جاء في الدستور، إذا كان "عسسُ" لغة وطنية التي هي الأمازيغية يحترسون من لغة وطنية أخرى التي هي العربية، ويرفضون أن تُكتب بحرفها، ويفضلون عليه الحرف اللاتيني.

في التصويت الذي جرى بالمجلس الإداري لليركام حول اختيار الحرف الذي تكتب به الأمازيغية، هل الحرف العربي، أو اللاتيني، أو تيفناغ، جرى التصويت على مرحلتين، في المرحلة الأولى انقسمت أصوات الأعضاء تقريبا بالتساوي، حول اللاتيني وتيفناغ، ولم يحصل الحرف العربي ولو على صوت واحد من أصوات هؤلاء الأعضاء، في إشارة لها دلالاتها الكبيرة، وفي المرحلة الثانية حصل تيفناغ على الأغلبية ، لكن تبين في الممارسة أنه فشل في أداء المهمة الموكولة إليه لفائدة الأمازيغية.

ولعل هذا الأمر يفيد بأن هؤلاء وأمثالهم من النشطاء الأمازيغ لا يتصرفون على أساس أننا أمام لغتين وطنيتين شقيقتين تؤديان مهمات متكاملة، وتتعاونان بينهما لما فيه مصلحة الشعب المغربي، ولما فيه مصلحة الأمازيغية، أولا وقبل كل شيء، ولكنهم يتحركون بعقلية أن لدينا في المغرب لغتين متخاصمتين ومتنافستين، ومتضاربتين، وأن الأمازيغية مناهضة للعربية، ولا تثق فيها، والدليل هو تفضيلهم كتابتها، بتيفناغ الذي أوصلهم إلى الحائط المسدود، وبعده بالحرف اللاتيني الذي يروجون له حاليا، وليس العربي، ضدا حتى في الدستور الذي هو أسمى قانون للأمة..