تحليل

كيف نجعل من الاستثمار رافعة للنمو؟

يوسف كراوي فيلالي

تصاعدت الاستثمارات في المغرب بثلاثة أضعاف خلال الفترة الممتدة ما بين 2000-2016، من دون أن ينعكس ذلك بطريقة مباشرة على مستوى النمو الاقتصادي الذي ظل لا يتجاوز 4 في المائة حتى في أحسن الظروف المناخية (تساقطات مطرية منتظمة، موسم فلاحي معتدل...). توجيه الاستثمار نحو البنيات التحتية والعقار والخدمات خلال عشر سنوات الأخيرة لم يمكن المملكة من تحقيق ازدهار اقتصادي. إهمال الاستثمارات في قطاعي التصنيع والفلاحة الحديثة ساهم في تطوير اقتصاد الريع المهيكل وغير المهيكل.

واستنادا إلى الدول الصاعدة كالبرازيل وتركيا والهند، فمتوسط النمو يناهز 6 في المائة من الناتج الداخلي الخام ومرتبط بحجم الاستثمارات التي تمثل قرابة 30 في المائة من الدخل القومي لهذه البلدان. أما في المغرب، فقد أصبحت التقلبات المناخية تنعكس سلبا على القيمة المضافة الفلاحية التي تعتبر لحد الآن المحدد الرئيس للنمو، في غياب سياسة استثمارية ناجعة تهدف إلى تطوير الاقتصاد الوطني وتحسين ظروف عيش المواطنين.

إذا كانت الاستثمارات المبرمجة برسم القانون المالي لسنة 2017 تناهز 195 مليار درهم، فإن الحكومة تتحكم فقط في 36 في مائة من الغلاف المالي المذكور (ما قدره 70 مليار درهم). فأكثر من 107 مليارات درهم موجهة لمشاريع استثمارية تسيرها بكل استقلالية المقاولات والمؤسسات العمومية، أي ما يمثل 55 في المائة من حجم الاستثمارات العمومية. وفي غياب تنسيق أفقي فعال لحكامة الاستثمارات، فإن أغلبها يوجه للبنيات التحتية والعقار، وبالتالي فهي لا تساهم بشكل ملموس في تحقيق النمو وخلق فرص شغل وتحسين ظروف عيش المواطنين.

إحداث الوكالة المغربية لإنماء الاستثمارات والصادرات هي مبادرة جيدة لإرساء استراتيجية فعالة ترمي إلى إنعاش الاستثمارات الوطنية والخارجية. وسيمكن ميثاق الاستثمار الجديد الذي ستشرف عليه الوكالة المذكورة من إعادة هيكلة الأنشطة المتعلقة بإنعاش الاستثمارات، قصد تطوير مناطق تجارية حرة بجل جهات المملكة.

فمنذ غشت 2016، وقعت الدولة المغربية مع مجموعة من المستثمرين الأجانب (كالصانع البريطاني لأجزاء السيارات دلفي، والمورد الكندي لمحركات العربات لينامار...) على عقود استثمار مهمة تهدف إلى تحسين ظروف اندماج قطاع صناعة السيارات في النسيج الاقتصادي، كمكون مهم للتنمية الجهوية المحلية.

من جهة أخرى، شرعت اللجنة الوطنية لمناخ الأعمال في بلورة خطة العمل 2017-2018، التي ترتكز عموما على المحاور الأربعة التالية:

- دعم القطاع الخاص.

- تحسين الإطار القانوني للأعمال.

- رقمنة الخدمات

- تبسيط المساطر الإدارية.

من هذا المنطلق، فإن اللجنة الوطنية تتطلع إلى إعداد استراتيجية وطنية لمناخ الأعمال تهدف إلى إنعاش الاقتصاد وتطوير الاستثمارات. فهل ستكون لهذه الاستراتيجية الفعالية المرتقبة أم إنها ستكون فقط إطار عمل يضم المشاريع الحالية؟

سيكون من الأجدر خلق أرضية نقاش بين القطبين العمومي والخاص لمعالجة المشاكل التي تعرقل العمليات الاستثمارية للمقاولات، سواء كانت وطنية أو أجنبية.

التزام الأطراف المعنية وتبني مقاربة تشاركية سيضاف إلى توجيه الاستثمارات لتحقيق التنمية الاقتصادية. التقارب بين اللجنة الوطنية لمناخ الأعمال والمراكز الجهوية للاستثمار سيشكل لبنة إضافية لإنجاح الاستثمارات الجهوية الخالقة للثروة ولمناصب الشغل، لاسيما أن دور المراكز الجهوية للاستثمار سيرتكز مستقبلا على مواكبة المقاولات قصد إنجاح استثماراتها المحلية، عوض انحصار مهامها في العمليات الكلاسيكية المتعلقة بالشباك الوحيد.

بالموازاة مع ميثاق الاستثمارات الجديد، إحداث قطب تنافسية خاص بالاستثمارات الوطنية سيجعل من التمويلات العمومية والخصوصية رافعة للنمو، عبر توجيه المجهود الاستثماري نحو القطاعات الاقتصادية الحيوية المرتبطة بالتجارة الخارجية (الفلاحة العصرية والاصطناعية، الصناعات الصاعدة، الاقتصاد البيئي والإيكولوجي...)؛ وذلك قصد تحسين عجز الميزان التجاري الذي أصبح يناهز 200 مليار درهم إلى غاية دجنبر 2017.

إنعاش الاستثمارات في القطاعين الصناعي والتجاري سيمكن المغرب، من جهة، من تحسين القيمة المضافة غير الفلاحية، ومن جهة أخرى، الرفع من الصادرات المغربية بهدف تحسين عجز الميزان التجاري. وبالتالي، فإن تطوير قطب تنافسي لهذه الغاية سيسهل بلورة استراتيجية مندمجة للنهوض بمناخ الأعمال على كل الأصعدة الوطنية والجهوية والمحلية، قصد ترشيد المستثمر لكي يعبئ أمواله في المشاريع الصناعية الصاعدة وليس في اقتصاد الريع الذي يعيق التقدم وتكافؤ الفرص ويمس بتنافسية النسيج الوطني.

التنسيق بين المؤسسات المعنية بالاستثمار والتعاونيات المهنية الإقليمية والجهوية سيكمن من بلورة رؤية استثمارية دقيقة للمشاريع المراد إنجازها على التراب الوطني. فالتعاونيات المذكورة تتوفر على معلومات مهمة متعلقة بالشروط الاستثمارية كالسوق المحلية وبيئة المعاملات وثقافة المنطقة وإكراهات الساكنة. وبالتالي، فإن هذه المعطيات الدقيقة ستقلص من هامش الخطر المرتبط بالنجاعة الاستثمارية ونجاح المشاريع. كما ستمكن هذه المعطيات من تجويد الدراسات المتعلقة بمردودية الاستثمارات على المدى المتوسط والبعيد، لكي يصبح الاستثمار عاملا اقتصاديا فعالا لتحقيق النمو.