تحليل

مواصلة التحول الهيكلي للاقتصاد الوطني

نوفل الناصري

ركزت جهود حكومة الدكتور العثماني في السنة الماضية على مواصلة مجهودات التحول الهيكلي للاقتصاد الوطني، بهدف تحقيق مستوى نمو متواصل، يُساهم في فك الارتباط تدريجيا عن تقلبات القطاع الأولي؛ وذلك عن طريق مواصلة تفعيل مخطط التسريع الصناعي، وتحفيز الاستثمار وتحسين مناخ الاعمال.

وفي هذا الاطار، استطاعت الحكومة في السنة الماضية، استقطاب كبريات المجموعات الاقتصادية العالمية العاملة في صناعة السيارات والطائرات، وهو ما عزز مكانة المملكة المغربية كمنصة عالمية للتصنيع، كان آخرها إطلاق 26 استثمارا صناعيا في قطاع السيارات، بغلاف مالي إجمالي تفوق قيمته 14 مليار درهم في دجنبر 2017 . وبهذه المشاريع الاستثمارية الضخمة، أضحت الاستراتيجية الصناعية للمملكة، قطاعا متجذرا وراسخا في الاقتصاد الوطني، كما أن وقعها يتزايد كل يوم أكثر فأكثر، وحسب وزارة الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي مكنت المنظومات الصناعية التي انطلقت في إطار مخطط التسريع الصناعي من:

إحداث أزيد من 80 ألف و597 منصب شغل، أي 90 بالمائة من الهدف المسطر في أفق سنة 2020.

تسجيل رقم معاملات في الصادرات بقيمة 60 مليار درهم في 2016، أي بارتفاع قدره 50 في المائة مقارنة مع 2014، ونفس الوتيرة عرفتها سنة 2017

الرفع من نسبة الاندماج من 28 في المائة إلى 55 ومرتقب أن تتحول إلى 68 في المائة.

جلب تخصصات جديدة للمغرب، بما يتيح تعزيز الاندماج المحلي، وتكثيف النسيج الإنتاجي، والاستجابة لطلب تتم تلبيته إلى حدود الساعة، عن طريق الواردات

صناعة الهياكل، والمحركات وإنتاج إطارات العجلات من الألومنيوم، ولوحات القيادة، والمصدات الأمامية، والمقاعد، وكذا العلب الإلكترو- ميكانيكية.

علاوة على ذلك، واكبت الحكومة التوجه الافريقي للمغرب كمحور أساسي واقتفاء أثر المقاولات المغربية التي مهدت الطريق للاستفادة من الفرص العديدة المتوفرة حاليا على صعيد القارة، وذلك عن طريق تفعيل مشاريع التعاون الاقتصادي التي أسفرت عنها الزيارات الملكية في مختلف بلدان القارة الافريقية (تقريبا 1300 اتفاقية)، خاصة ما يتعلق بتتبع مشاريع الشراكة وتنفيذ مضامين اتفاقيات التعاون التجاري والاقتصادي الموقعة مع حكومات الدول الإفريقية؛ بالإضافة إلى تطوير الإطار القانوني المنظم للعلاقات التجارية المغربية الإفريقية على المستوى الثنائي، خاصة مع بلدان إفريقيا الشرقية والجنوبية، وفي هذا الصدد صادقت حكومة العثماني على العديد من مشاريع القوانين ذات الصلة؛ كما حرص المغرب على مد قنوات دائمة للحوار والتشاور مع البلدان الشريكة للمغرب بالقارة، بهدف استكشاف فرص الاندماج الاقتصادي الجهوي، وكذا التعاون والتكامل الاقتصاديين، وفي مقدمتها طلب الانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (CEDEAO)؛ علاوة على المساهمة الفعالة في إقامة أسس منطقة التبادل الحر القارية عبر المشاركة المثمرة في المفاوضات ذات الصلة، مع وضع الخبرة المغربية المكتسبة في مجال إقامة هذا النوع من الاتفاقيات رهن إشارة الشركاء الأفارقة.

وأبرز مثال لهذا التوجه، توقيع المغرب ونيجيريا على اتفاقيتين متعلقتين بمشروع أنبوب الغاز، الذي ترأس مراسيمه جلالة الملك؛ وتعتبر هذه الاتفاقية، آلية للاندماج والتنمية الإقليمية، خصوصا في غرب إفريقيا، الامر الذي سيعود بالنفع الاقتصادي والاجتماعي على 12 بلدا العابر لها.

ونظرا لأهمية الاستثمار في إنتاج الثروة، ورفع نسبة النمو، وحل معضلة التشغيل وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية؛ اعتمدت حكومة الدكتور العثماني ميثاق جديد للاستثمار، يتضمن ستة محاور أساسية، تتمثل في الضمانات الممنوحة للمستثمرين، والإجراءات النوعية لاستثمار فرص الإقلاع الاقتصادي، وإجراءات الدعم المباشر للاستثمار، والإجراءات الضريبية والجمركية، والإجراءات الممنوحة للمقاولات الناشئة، وإجراءات إنعاش الشغل والتكوين المهني.

وعلى هذا الأساس، قامت اللجنة الوطنية للاستثمارات بتاريخ 04 ماي 2017، بالمصادقة على 51 مشروع اتفاقية استثمار وملاحق اتفاقيات استثمار تبلغ قيمتها الإجمالية 67 مليار درهم، من شأنها توفير 6477 منصب شغل مباشر، ويأتي قطاع الصناعة في المرتبة الاولى بحوالي ثلثي الاستثمارات بما يفوق 43 مليار درهم؛ كما صادقت اللجنة في 10 يناير 2018، على 48 مشروع اتفاقية وملاحق اتفاقيات استثمار، يبلغ حجم استثماراتها 32.32 مليار درهم من شأنها توفير 190 6 منصب شغل مباشر و 952 13 منصب شغل غير مباشر، وتأتي كذلك الصناعة في المرتبة الاولى باستثمارات يبلغ حجمها 18.97 مليار درهم، أي ما نسبته 59 % من مجموع الاستثمارات المزمع إنجازها.

ومن أهم إنجازات الحكومة في مجال الاستثمار كذلك، إحداث الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات، والتي يتم من خلالها تحقيق الالتقائية في السياسات والبرامج الموجهة للاستثمار، وتتولى تنفيذ استراتيجية الدولة في مجال تنمية الاستثمارات الوطنية والأجنبية، وإنعاش العرض التصديري الوطني، وتطوير الأسواق والمعارض. وقد دمجت هذه الوكالة كل من الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات ومكتب الأسواق والمعارض بالدار البيضاء والمركز المغربي لإنعاش الصادرات، وهذا الانجاز كان مطلبا موحدا بين غالبية الفاعلين الحكوميين والاقتصاديين والمهنيين.

كما واصلت الحكومة الاشتغال على تحسين مناخ الاعمال في إطار برنامج عمل اللجنة الوطنية لمناخ الأعمال، مكنت المغرب من تبوء مراتب جد متقدمة على الصعيد العالمي في كل من مؤشر منح تراخيص البناء (المرتبة 17 عالميا) ومؤشر أداء الضرائب (المرتبة 25) ومؤشر إنشاء المقاولة (المرتبة 35) ومؤشر تنفيذ الأحكام (المرتبة 57). وبصفة عامة تصدر المغرب شمال افريقيا في مؤشر مناخ الاعمال الصادر عن البنك الدولي ب69 من أصل 190 دولة. واحتلت المملكة الرتبة الأولى في شمال افريقيا برتبة 71 في مؤشر التنافسية الاقتصادي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي دافوس.

صُنِّف المغرب في المركز الـ86 عالميا من أصل 180 دولة في مؤشر الحرية الاقتصادية وذلك وفق تصنيف جديد أصدرته المؤسسة الأمريكية "Heritage Foundation" ، وحصلت المملكة على معدل 61.5 نقطة، متقدما على باقي دول شمال إفريقيا. وحسب تقرير المكتب الدولي "ايرنست ويونغ" لسنة 2017، والذي يقيس الجاذبية الاستثمارية للدول، فقد تصدر المغرب التصنيف إفريقيا في هذا المقياس، متبوعا بكينيا وجنوب افريقيا اللتين احتلتا الرتبة الثانية مناصفة، فيما احتلت غينيا المركز الرابع أمام تانزانيا الخامسة. وللأسف لم تتواجد أي من دول شمال افريقيا في تصنيف أحسن عشر وجهات افريقية الأكثر جاذبية للمستثمرين

رغم البلوكاج الذي عرفته الساحة الوطنية في السنة الماضية، فإن سنة 2017 عرفت تحقيق العديد من المكاسب الاقتصادية التي عززت المكانة الإقليمية والقارية للمغرب، وعززت معها تفاءل كبار المحللين الاقتصاديين المغاربة على المستقبل الاقتصادي للمغرب خلال العام المقبل، بعد أن استطاعت الرباط استقطاب مشاريع اقتصادية كبرى داخل المملكة، في ظل استمرار التوسع المالي والصناعي والخدماتي للمغرب في دول افريقيا جنوب الصحراء.