تحليل

زيارة مشعل للمغرب والمتاجرة بالقضية الأمازيغية

عبد السلام بنعيسي

أثارت الزيارة التي قام بها إلى المغرب السيد خالد مشعل ردود فعل متشنجة لدى بعض الجمعيات الأمازيغية. ولقد أصدر أعضاؤها بيانا نددوا فيه بالزيارة واستنكروها، ولم يقبلوا بتاتا أن يصدر عن مشعل كلام يتحدث فيه عن عروبة المغرب، ودعوا الدولة المغربية إلى الانسحاب من جامعة الدول العربية.

وللحقيقة، ليس خالد مشعل هو الذي يحدد إن كان المغرب عربيا أم لا، الدستور المغربي هو الذي جاء في ديباجته أن هوية المغرب الحضارية: عربية - إسلامية، وأمازيغية، وصحراوية حسانية، وغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. وأضاف المشرع أن من المهام الأساسية للدولة المغربية، تعميق أواصر الانتماء إلى الأمة العربية والإسلامية، وتوطيد وشائج الأخوة والتضامن مع شعوبها الشقيقة.

فإشارة الضيف الفلسطيني إلى عروبة المغرب تتماشى مع الدستور، إنه يتكلم من داخله، فأن يكون المغرب عربيا في جزء أساسي من هويته، لا يلغي عنه كونه أمازيغيا في الجزء الآخر من الهوية، وإذا كان الرجل في زيارة للمغرب، فإن الزيارة تمت بدعوة رسمية من الحكومة المغربية الشرعية المنبثقة عن الانتخابات، وبموافقة وتزكية من الملك محمد السادس، إذ لولا موافقة الجالس على العرش المسبقة على الزيارة لما كانت قد جرت أصلا. ولذلك فإن إلصاق موضوع الزيارة بالبيجيدي لوحده، وتحميله بمفرده مسؤولية وجود مشعل في المغرب، قول مناف للحقيقة، ويتضمن تحاملا مجانيا على الحزب المذكور، حتى لا نقول أكثر.

كما أن الزيارة تدخل في سياق ديباجة الدستور، لأنها تندرج في إطار: تعميق أواصر الانتماء إلى الأمة العربية والإسلامية، وتوطيد وشائج الأخوة والتضامن مع شعوبها الشقيقة. فالذي رفض هذه الزيارة، وأعرب عن رغبته في أن لا تتم، هو الذي يتكلم ويتصرف بعيدا عن النص الدستوري، إنه خارج أسمى قانون ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتبعا لذلك، فإن كلامه يفتقر للمقومات القانونية، ولا يستند على أي أساس معقول يوفر لقوله المصداقية والشرعية. فنحن أمام كلام أطلقه أصحابه في الهواء كطلقة نار في الفراغ.

لنفترض أن السيد خالد مشعل قد أخطأ في إشارته إلى عروبة المغرب، هل هذا سيغير من واقع الأمر شيئا؟ هل سيصبح المغرب عربيا وغير أمازيغي بمجرد تصريح صادر عن زائر لبلادنا؟ هل الأمر كان يحتاج لكل هذه الزوبعة وهذا اللغط الذي أثير حول التصريح والزيارة برمتها من طرف بعض الجمعيات الأمازيغية؟ ألم يكن الأمر يحتاج إلى توضيح بسيط يصدر عن أي ناشط أمازيغي يعبر فيه عن اختلافه في الرأي مع السيد مشعل، وأن يشدد الناشط على أن المغرب ليس عربيا، كما جاء على لسان الضيف، وأنه أمازيغي، ويتوقف الأمر عند هذا الحد؟

لقد اشتهر المغرب، بعربه وأمازيغييه، وتميزوا في تاريخهم بكرم الضيافة وحسن استقبال من يزروهم في بلدهم، ويحل ضيفا عليهم، إنهم يخصصون له ما يليق به من معاملة طيبة، ولا يبخلون عليه بأي شيء إلى أن يعود مطمئنا راضيا إلى أهله وذويه، فكيف جرى وأصبح زائر فلسطيني إلى بلدنا يعامل بهذه الفظاظة، ويستقبل بهذه الخشونة، وهذه العدوانية من طرف بعض النشطاء الأمازيغ، علما بأن الرجل مضطهد، ومطارد من دولة تحتل أرضه، وسعت مرارا لتصفيته جسديا؟

لا يمكن لتصرف من هذا القبيل أن يصدر عن الأمازيغ الأحرار الذين تعودوا إغاثة الملهوف، والوقوف إلى جانب الضعيف والمظلوم إلى حين استرداد حقوقه، الأغلبية المطلقة من الأمازيغ التي نعايشها ونحتك بها في اليومي المعاش، من المستحيل أن تقبل بأن يصدر عنها تصرف غير لائق تجاه مسئول فلسطيني جاء يطلب الدعم والمساندة لاسترداد حقوقه المغتصبة من دولة تستعمره. لكنها الحساسية المفرطة التي أضحت لدى بعض النشطاء الأمازيغ تجاه كل ما هو عربي في المغرب، حتى أنه لم يعد لديهم أدنى حرج في التعامل مع إسرائيل وزيارتها ضدا في العرب، ومن منطلق النكاية فيهم، وصاروا يجهرون بذلك ويزايدون به على بعضهم البعض.

إذا كان الدفاع عن الأمازيغية والسعي لإنصافها، ورفع التهميش عنها مطلبا عادلا، وإذا كان النشطاء الذين يتبنون رفع الضيم عن الأمازيغية صادقين في أقوالهم وأفعالهم، فإنهم سيكونون حتما إلى جانب القضية الفلسطينية، فالمناضل من أجل الأمازيغية، كقضية عادلة في نظره، لا يمكن أن يكون إلا إلى جانب كل القضايا العادلة، ومن ضمنها قضية فلسطين. من غير المفهوم أن يقف الناشط المنافح عن الأمازيغية إلى جانب الأكراد، والسريان، والآشوريين، والشبك، والأيزيديين.. في مطالبهم المشروعة، في حين يكون ضد حقوق الفلسطينيين، ومع إسرائيل التي تحتل أرضهم، وتمارس عليهم كل أشكال القمع، والاضطهاد، والقتل، والتهجير.

أن ينتقد المرء السلطة في أي بلد عربي لأنها لا تستجيب لمطالب فئة من أبناء شعبها، سواء كانوا أمازيغا، أو أكرادا، أو سريانا.. أمر لا اعتراض عليه، فالحقوق المعقولة لجميع فئات الشعب وأعراقه يتعين على السلطة أن تضمنها لأهلها، ولكن الاعتراض هو على توجيه النقد للشعوب العربية ولثقافتها، ولحضارتها، ووسمها بالهمجية والبداوة والتخلف، وفي نفس الوقت التودد لدولة إسرائيل، وإغداق أوصاف المدح عليها والتغزل فيها، ومعاداة الشعب الفلسطيني في كفاحه من أجل الحصول على حقه في تقرير مصيره، وإنشاء دولته المستقلة.

إذ كيف لم تصدر عن النشطاء الأمازيغ أي كلمة عن زيارة عمير بيريتس للمغرب وهو الذي شغل منصب وزير الدفاع الإسرائيلي السابق الذي شنت في عهده الحكومة الصهيونية عدوانها على لبنان سنة 2006 وارتكبت المجازر البشعة ضد الشعب اللبناني الشقيق على يديه، في حين ينتفض هؤلاء النشطاء ضد زيارة خالد مشعل، ويصدرون البيانات الرافضة لها؟

من يتصرف على هذا النحو، يعلن أمام الملأ أنه ليس رجل مبادئ وقيم، ولا يدافع عن قناعات، ولا تهمه حقا الأمازيغية، إنه كائن غير منسجم في مواقفه، ومتقلب، وانتهازي ، وتحركه غرائزه، ومصالحه المادية التي يحصل عليها من تحركاته. بأربع كلمات: إنه متاجر بالقضية الأمازيغية.