تحليل

اللاتمركز الإداري الحلقة المفقودة في ورش الجهوية

عبد الإله فروات

- دراسة توثيقية –

لا يستقيم الحديث عن الجهوية دون الالمام باللاتمركز الإداري تقنيا ومسطريا وقانونيا، وذلك اعتبارا للارتباط التلازمي بينهما، ونظرا لكون اللاتمركز الاداري يعتبر رافعة لورش الجهوية، وسندا قويا لها على المستوى الترابي.

والمقصود باللاتمركز الإداري هو عدم تركيز السلطة وتوزيعها بين البنيات والمستويات الإدارية المختلفة في التنظيم الإداري على مستوى الدولة. وتتمثل مهمته الأساسية في نقل اختصاصات الإدارة المركزية إلى الإدارات البعيدة عنها جغرافيا للقيام بمهام محددة أسندتها إليها، باستثناء طبعا، تلك التي لا يمكن تفويضها بموجب نصوص تشريعية أو تنظيمية، وكذا تخويل المصالح الجهوية والإقليمية صلاحيات اتخاذ القرارات وفق منظومة تفويض السلطة أو الإمضاء، الأمر الذي يسمح من جهة أولى بالتخفيف من العبء عن الإدارات المركزية والسرعة في اتخاذ القرارات وإنجاز البرامج على المستوى المحلي، عوض انتظار قرار القيادة المركزية. ومن جهة أخرى، يضمن سهولة التنسيق بين الإدارات في الجهة أو الإقليم، ويحفز المسؤولين المحليين من خلال إتاحة الفرصة لهم بالمشاركة في عمليات اتخاذ القرار.

وتماشيا مع الأهمية التي يحظى بها اللاتمركز الإداري تم التنصيص عليه دستوريا، كما ورد تضمينه بالتصريح الحكومي، علاوة على خضوعه للتأطير بنصوص تنظيمية متعددة.

التأصيل المرجعي والتأطير التنظيمي للاتمركز الإداري.

نستحضر على المستوى الدستوري الفصل 145 من دستور 2011 الذي ينص على أن الولاة والعمال يقومون تحت سلطة الوزراء المعنيين بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية ويسهرون على حسن سيرها"، مما يظهر المكانة التي خولها المشرع الدستوري للاتمركز ضمن النسيج الإداري للمملكة.

أما عن المستوى السياسي فنتوقف عند التصريح الحكومي الذي نص على إرساء الجهوية المتقدمة وتعزيز اللامركزية واللاتمركز، واعتماد مشروع طموح للاتمركز الإداري مواكب للجهوية واللامركزية، مع تبني المقاربة المجالية المندمجة في برمجة الميزانية العامة للدولة عوض الاكتفاء بتوزيع الاعتمادات على مختلف الوزرات،

أما فيما يتصل بالبعد التنظيمي، فيمكن أن نستعرض أسفله جردا للنصوص التنظيمية المؤطرة للاتمركز وهي:

مرسوم رقم 2.05.1369 بتاريخ 02 دجنبر 2005 بتحديد قواعد تنظيم القطاعات الوزارية واللاتمركز الإداري ويشير إلى:

. إعداد التصاميم المديرية للاتمركز الإداري،

. مأسسة لجنة تنظيم الهياكل الإدارية واللاتمركز الإداري تكلف بدراسة التصاميم

المديرية،

. اعتماد اللاتمركز الإداري كقاعدة عامة لتوزيع الاختصاص بين المصالح المركزية

والمصالح اللاممركزة،

. تركيز الإدارات المركزية على الوظائق الأساسية وإسناد مهام تنفيذ السياسات الحكومية

إلى المصالح القريبة من المواطنين،

. نقل الاختصاصات والوسائل المادية والبشرية إلى المصالح اللاممركزة،

مرسوم رقم 2.05.768 بتاريخ 04 دجنبر 2008 في شأن تفويض إمضاء الوزراء وكتاب الدولة ونواب كتاب الدولة:

. تفويض الإمضاء أو التأشير إلى الموظفين والأعوان التابعين لإدارتهم (رئيس مصلحة أومهام مماثلة) على جميع الوثائق ما عدا المراسيم والقرارات التنظيمية

. تفويض الإمضاء أو التأشير إلى الموظفين والأعوان التابعين لإدارتهم على وثائق الالتزام بالنفقات والأوامر بالصرف أو تفويض الاعتمادات والأوامر بتحويلها، والأوامر بقبض الموارد والوثائق المثبتة للنفقات بالموارد.

. تفويض الإمضاء أو التأشير إلى ولاة الجهات والعمال على جميع الوثائق المتعلقة بأعمال المصالح غير الممركزة التابعة للسلطات الحكومية، ما عدا المراسيم والقرارات التنظيمية.

. تفويض الإمضاء إلى الموظفين والأعوان غير الخاضعين لسلطتهم والذين يمارسون مهامهم بالمصالح غير الممركزة.

مرسوم رقم 2.79.512 بتاريخ 12 ماي 1980 بتغيير المرسوم الملكي 3.30.66 بسن نظام المحاسبة العمومية:

".... يجوز للأمرين بالصرف تحت مسؤوليتهم ومراقبتهم أن يعينوا بقرار يعرض على تأشيرة وزير المالية أمرين مساعدين بالصرف يفوضون إليهم سلطاتهم ضمن الحدود التي يبينونها في أوامر تفويض لاعتمادات.

وللإحاطة أكثر بفحوى اللاتمركز الإداري، لابد أن نسلط الضوء على بنية التقسيم الإداري والهياكل الإدارية بالمغرب، فضلا عن تقديم نظرة عن إحصائيات ومؤشرات تخص الموارد البشرية بصفتها الفاعل الرئيسي في ورش اللاتمركز الإداري.

التقسيم الإداري للمغرب :

كما هو معلوم ينقسم المغرب إلى 12 ولاية جهة لا بأس من التذكير بها وهي: طنجة – تطوان – الحسيمة، الشرق، فاس – مكناس، درعة – تافيلالت، الرباط – سلا – القنيطرة، الدار البيضاء - سطات، بني ملال - خنيفرة، مراكش - أسفي، كلميم - واد نون، سوس - ماسة، العيون – الساقية الحمراء، الداخلة - واد الذهب.

ويضم هذا التقسيم 62 إقليما و13 عمالة و08 عمالات المقاطعات.

إحصائيات ومؤشرات خاصة بالموارد البشرية بمختلف القطاعات.

إحصائيات:

يناهز مجموع أعداد الموارد البشرية بمختلف إدارات الدولة 792.000 موظفا موزعين على النحو التالي:

450.000 موظفا يعملون بالقطاعات الوزارية.

191.000 موظفا ينتمون للمؤسسات العمومية.

151.000 موظفا يمارسون عملهم بالجماعات الترابية.

مؤشرات :

يبلغ حجم الموظفين العاملين بالمصالح اللاممركزة 93% مقابل 7 % فقط بالمصالح المركزية.

تبلغ نسبة التأطير العامة (الموظفون المرتبون في سلم الأجور 10 فما فوق وما يماثلها) 76,50%

ونسبة الإشراف هي 11,72% في حين تبلغ نسبة أعوان التنفيذ 11,75 %.

تقدر نسبة التأنيت ب 39 %.

تتوفر 6 جهات الرباط – سلا – القنيطرة والدار البيضاء – سطات وفاس – مكناس ومراكش-أسفي

وطنجة – تطوان – الحسيمة وسوس – ماسة على نسبة 76,1 % من الموظفين، ومعدل تغطية يبلغ 13 لكل 1000 مواطن، وذلك بفعل الكثافة السكانية المرتفعة بهذه الجهات وبمعدل تأطير يقدر ب 76,7 %.

في حين تتوفر 6 جهات الباقية (بني ملال – خنيفرة، الشرق، درعة – تافيلالت، العيون – الساقية الحمراء، كلميم – واد نون، الداخلة – واد الذهب، على نسبة 23,9 من الموظفين، بمعدل تغطية يقدر ب 14 موظفا لكل 1000 مواطن بسبب الكثافة المنخفضة بهذه الجهات ومعدل تأطير يقدر ب 75,9 %.

وانطلاقا من المعطيات السالفة الذكر، يفرض علينا التسلسل المنطقي الأكاديمي لهذه الدراسة الوقوف على الواقع الحالي للاتمركز الإداري بالمغرب، سواء في شقه المتعلق بمسار تطوره، أو فيما يرتبط بالجانب الخاص بالموارد البشرية أو طريقة تسيير وحدات اللاتمركز.

الواقع الحالي للاتمركز الإداري:

يتبين من خلال تشخيص واقع اللاتمركز الإداري، أنه مازال يعاني من عدة اختلالات وأعطاب تؤثر على تطوره وتحول دون تحقيقه للأهداف المرجوة، ويمكن إجمال هذه الاختلالات والصعوبات التي تشوب اللاتمركز فيما يلي:

هيمنة الإدارة المركزية على مراكز القرار.

تفاوت واضح بين مسار اللامركزية ومسار اللاتمركز الإداري.

عدم مواكبة تغطية التراب الوطني لتطور التقسيم الإداري.

محدودية المؤهلات الكمية والنوعية للموارد البشرية على الصعيد المحلي.

غياب سياسة واضحة تستقطب المزيد من الكفاءات على المستوى الترابي.

ضعف العمل المؤطر للعلاقة بين الوزارات مما يفسر صعوبة التنسيق بين المصالح اللاممركزة في تنزيل البرامج على المستوى المحلي، وكذا تدني تنسيق هياكل الحكامة لدعم الاستراتيجيات القطاعية، الشيء الذي ينعكس بالتالي على جودة الخدمات العمومية على خلفية عدم وجود مشاريع متكاملة وغياب بنية للإشراف والتنسيق بينها.

ومن الملاحظ أيضا أن المصالح اللاممركزة متعايشة بحكم الواقع مع المؤسسات والمقاولات العمومية المحلية، مما يستلزم ضرورة التنسيق بين مختلف الجهات الفاعلة في هذا الخصوص.

وعلى مستوى تدبير الموارد البشرية، نسجل ما يلي:

يتم تدبير معظم الموارد البشرية من طرف الإدارة المركزية.

إن بعض الجهات والأقاليم أقل جاذبية، من مثيلاتها، للأطر ذات الخبرة والكفاءات العاليتين.

الغالبية العظمى لموظفي الإدارة يعملون في المصالح اللاممركزة، أكثر من 93 % .

أما على مستوى طريقة التسيير فنلاحظ ما يلي:

تشتغل المصالح اللاممركزة بكيفية منعزلة بسبب الأولوية التي تعطى لتنزيل الاستراتيجيات القطاعية من أعلى إلى أسفل بطريقة عمودية، حيث يشكل التنسيق الأفقي صعوبة أو عقبة في تنزيل الاستراتيجيات القطاعية. والأدهى من ذلك أن هذا الانعزال يسجل حتى داخل نفس القطاع الوزاري، ففي العديد من القطاعات الوزارية، الاتصال والتنسيق ما يزال بين مختلف المصالح اللاممركزة ضعيفا. وعلى وجه التحديد، فإن التنسيق بين المصالح اللاممركزة والمؤسسات العمومية الخاضعة للوصاية يكاد ينعدم كليا.

حتى وإن تمكنت بعض المصالح اللاممركزة بإحداث تعاون مع مناطق لا ممركزة أخرى من خلال الاتفاقيات، مع ذلك تبقى هذه الأخيرة غير ملزمة ويجب أن يوقع عليها الوزراء أنفسهم أو من قبل شخص لديه تفويض خاص منهم.

ميثاق اللاتمركز الإداري: رافعة لإصلاح عمل الدولة على المستوى الترابي

لا يجادل إثنان في أن وضع مشروع ميثاق سيشكل نقلة نوعية في إعادة هيكلة وتنظيم الادارة اللاممركزة، وهو منفذ فعال لتغيير مركز الجاذبية إلى الجهات والمجال الترابي بناء على مبدأ التفريع، مما يعني إعادة النظر في العمق في اختصاصات الإدارات اللاممركزة وبذل مزيد من الجهد لتنظيم عمل المصالح اللاممركزة حول ممثل وحيد للدولة على المستوى الجهوي، وكذا مضاعفة الجهود لاعتماد مقاربة تدبيرية لاممركزة ومهنية لعمل الدولة على المستوى المذكور.

وتتجلى الأهداف الكبرى للميثاق فيما يلي:

تعزيز الديمقراطية المحلية أوالترابية: وذلك بتمكين الجماعات الترابية من إيجاد مخاطبين مؤهلين قادرين على التفاوض باسم الدولة ومصاحبة الجماعات الترابية من خلال تقديم الاستشارات اللازمة والمساعدة التقنية وعند الاقتضاء.

تحسين الخدمات الإدارية وملاءمتها والانتظارات المحلية: وذلك انطلاقا من تقريب المصالح الإدارية من المواطن والاستجابة للحاجيات المحلية، مع تمكين المستوى الترابي من سلطة تقرير حقيقية واتخاذ المبادرة.

النهوض بفاعلية الإدارة اللاممركزة عبر اللاستناذ على: تحقيق انسجام والتقائية السياسات العمومية على المستوى الترابي.

تقوية مهام الإدارة اللاممركزة (المسؤولية).

تعضيد الإمكانيات والوسائل (التعاقد).

إحداث إدارات لاممركزة قوية إلى جانب الوالي/العامل (التنسيق).

الترشيد والعقلنة، ويتسنى ذلك من خلال تدعيم وتنظيم الإدارة اللاممركزة:

تقليص عدد المخاطبين (المندوبين على المستوى الترابي).

تطوير الشراكة والتعاون وبلورة ثقافة مهنية موحدة (توحيد وتعميم أنظمة المعلومات.

اقتسام الخبرات، انفتاح والتقائية السياسات العمومية).

توحيد بعض وظائف الدعم من أجل تعبئة الجهود وخفض التكاليف.

تجميع بعض البنيات الجهوية: مديريات جهوية قطاعية، ومديريات جهوية بين وزارية.

اللاتمركز وتحديات تأهيل الإدارة الجهوية.

حتى تتجاوز الجهة التأخر الذي يطالها والاكراهات التي تتخبط فيها، فهي مدعوة، أكثر من أي وقت مضى، لنسج علاقات متجددة مع مرافق الدولة والإدارات العمومية اللاممركزة، علاقات تقوم على التعاون والحوار والتشاور والالتقائية والشراكة، وبذلك سيتسنى لها ضمان التكامل والتناغم والتناسك وتناسق الجهود والتفاعلات الضرورية لتحقيق الأهداف المنشودة على أرض الواقع.

إن تأهيل الإدارة الجهوية، بصفتها قاطرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، يمر حتما عبر تجسيد أحكام الدستور لا سيما الفصل 143 منه والقاضي بإعطائها مكانة الصدارة في عمليات بلورة وتتبع برامج التنمية الجهوية، وكذا انطلاقا من رفع مستوى تمثيلية القطاعات المساهمة في السياسات العمومية بالتركيز على الجهة كمستوى أساسي للاتمركز الإداري حتى لا يظل الحلقة المفقودة في هذا الشأن، مع استكمال التغطية الشاملة لمختلف مجالات تدخل الإدارة لتقريب الإدارة من المواطنين.

ولا شك أن التأهيل المطلوب ينبني أيضا على تقوية آليات التنسيق بين مختلف الفاعلين وتحديد العلاقات الوظيفية الممكنة لضمان انخراط مختلف القطاعات الحكومية في مخطط التنمية الجهوية وتأمين التقائية البرامج وذلك بمساهمة جميع الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين لتخطي التعثرات الناجمة عن عدم مطابقة مختلف القرارات الجهوية لرؤية الجهة، دون أن نغفل دعم الجهة بالكفاءات والطاقات البشرية الضرورية والمؤهلة كخيار استراتيجي وكمدخل ضروري لتطوير التدبير العمومي الجهوي والقدرة على التجديد والابداع، فضلا عن تفويض اختصاصات مناسبة للجهة تلائم فلسفة دستور 2011 من خلال تخويل الإدارة اللاممركزة صلاحيات أوسع لتمكينها من أخذ القرارات المناسبة في أفضل الظروف، موازاة مع دعم الجهة بالإمكانيات المالية اللازمة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الكبرى للسياسات العمومية ومخططات العمل المعتمدة بالجهة.

ثم أخيرا وليس آخرا، إحداث آلية كفيلة بتتبع وتقييم برامج تنمية الجهة وفق معايير موضوعية وضوابط معمول بها دوليا.

*بـاحث جــامعــي