قضايا

مجابهة كورونا بالصبر والمرونة

محمد بودويك

هَزَمَنا فيروس مجهري دقيق لا مرئي، هزمنا جميعا ـ أقواما وأمما متحضرة، وأقواما وأمما متأخرة ـ هزمنا وأدخلنا مُرغمين مهرولين إلى مآوينا وجحورنا، نطل منها على الجديد، نسترق بأسماعنا كل خبر وليد، وننتظر بكل ما أوتينا من لهفة وفضول، فتحا قريبا يخرجنا من جحورنا ( اتسعت أو ضاقت )، مرة أخرى إلى نعيم الحياة.. إلى الشمس، وإلى أمنا الأرض الفسيحة الفيحاء ذات الجمال والبشارة والنضارة.

هَزَمَنا بعد أن وَقَرَ في وعينا أو وهمنا أننا جُزْنا الأمراض الفتاكة والأوبئة الشرسة الضارية، بفضل ما حققته الإنسانية من كشوف واختراعات علمية وطبية وهندسية بيولوجية، وتكنولوجية ورقمية، حتى بتنا لا نلتفت إلى بعضنا، ولا نَرْعَوَى معتبرين أن زمن الخوف قد وَلَّى، وأننا نتولى أقدارنا ونتحكم في مصائرنا، ونسوق الرياح إلى حيث شئنا.

وها هي ذي كورونا تضحك منا وعلينا وهي تسرح وتمرح بيننا وفينا فاتكة منتصرة، رافعة لواء الظفر والغطرسة، دائسة على جثث الآلاف المؤلفة من الضحايا من مختلف الأعمار غير مميزة بين العالم والجاهل، والغني والفقير، المرء والمرأة، الشيخ والطفل، بين العلية والسفلة. ( لكن: ألا يكون كورونا ذكراً؟ ).

ويزداد الفيروس ضحكا وهو يستلقي على قفاه في كل شبر من المعمورة الزرقاء، وهو يرى ويسمع تناقضات العلماء والخبراء والأطباء، والباحثين في المختبرات، وهي تصفه بالجديد، والقديم المتجدد، والشبيه بالأنفلونزا، والمنفلت من خفاش رجيم، أو المصنوع قصدا وعدوانا ورصدا لخراب البشرية، والفتك بالاقتصاد الأمبريالي، والسياحة العالمية، وتمزيق الأواصر الاجتماعية والتضامن البشري.

ثم يوصف من قِبَل فريق بالهين العادي كباقي الأوبئة التي عرفتها البشرية، وبأن حصاره والقضاء المبرم عليه مسألة وقت فقط، وأن الانزواء الأربعيني كاف لسحقه؛ والحال أن دولا وأمما كاملة انعزلت فوق ثلاثة أشهر، ولا يزال كورونا يلعب في الساحة ، يعود بين الفينات ليقصف عمرا هنا، وعمرا هناك.

وتتفاقم الاختلافات بين قائل بأن مصل التمنيع لإنقاذ البشرية قريب المأتى. وقائل: بل بعيد المأتى ودونه ملايين الضحايا، وانهيار البلدان والعمران. ما يقتضي التسلح بالصبروالحِلْم والحكمة، وتدوير الحجر الصحي إلى حين ينتهي التجريب والتعليب ضمن ملايير الأنابيب، والتسويق على مدار أشهر معدودات. وهي اختلافات تنم، لعمري، عن تخبط واضح، وعدم إفاقة من الصدمة التي ضربت عقولا نشأت في العلم والبحث، فما بالك بعقول مسكينة مستكينة كعقولنا.

خلاصة القول: لنضع أقدارنا وأيامنا في يد الطبيعة الرؤوم، يد العلم الحلوم، يد الاتي القادم المأمول، ويد الله العليا في الأول والأخير.

ولنقل بصوت واحد: ما أعظم اللاَّمَرْئي ولو كان فيروسا وميكروبا وبكتيريا، وحشرة دقيقة تدب أمامنا ولا نراها. وما أبأس وأضعف الإنسان والموجود ولو كان ضخما مرئيا جبلا أو تنينا..اا

وزبدة القول وسنامُه، قول الذكر الحكيم: ( يا أيها الناس ضُرٍبَ مثلٌ فاسمعوا له إن الذين تدْعُون من دون الله لن يخلقوا ذُباباً ولو اجتمعوا له وإنْ يسْلُبْهُمْ الذبابُ شيئاً لاَ يسْتَنْقِذوهُ منه ضَعُفَ الطالبُ والمطلوبُ ) سورة الحج ـ الآية 73.