رأي

محمد أوزين: الاختلاف في ظرف الائتلاف

كذا قضى الله فكيف اصنع      الصمت إذا ضاق الكلام اوسع
ما تطلع الشمس ولا تغيب       الا لامر شانه عجيب
من جعل النمام عينا هلكا        مبلغك الشر كباغيه لك
ابيات شعرية لا زالت ملتصقة بذاكرتي منذ الصغر. واظنها، ان كانت ذاكرتي تسعفني، لأبي العتاهية، ولكم التحقق من ذلك. اليوم، و كما كان دائما، هناك حديث عن الديمقراطية. جميل!. لكن ما تعريف الديمقراطية؟ أكيد بالرجوع الى ادبيات المفهوم هو حكم الشعب أو الأغلبية. لكن من هي الأغلبية؟ هي 50+1، وهي اغلبية مطلقة ( وهو ما يفسر بعض القراءات الأخرى التي تصفها ب  ديكتاتورية او استبداد الديمقراطية la dictature/tyrannie  de la democratie في تناقض لفضي او ما يعرف لسنيا ب l oxymore) تقابلها أغلبية نسبية وهي الحصول على اكثر الأصوات. لا يمكن ان نختلف على التوصيف التقني لمفهوم الديمقراطية ربما، لكن الذي يجب ان يستوقفنا هو هذا التوصيف في تقييمه النهائي، كيف؟ الديمقراطية اليوم هي القدرة على تدبير الاختلاف. نحن في مجتمع مطالبون فيه بالاختلاف، نعم بالاختلاف وليس الخلاف، لكن اختلاف داخل الوحدة.  
لكن ما هو الاختلاف؟ هو ببساطة ان لا نصر على امتلاك الحقيقة. كوننا في اخر المطاف كلنا في مسعى نحو الحقيقة. كون ملكها ليس الا لمالك الكون، ولذا كانت من صفاته تعالى "الحق".
ولكنه سبحانه و تعالى أراد لعباده الاختلاف وفي ذلك حكمة و قدر. " و لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين." إذا هذا إقرار من الله عز و جل على نسبية الحقيقة. ومن ظن نفسه علم فقد جهل!
لا يغيض عاقل ان تكون احدى بنات عقله موضوع نقاش، و نقد، و تصحيح، و تقويم، او حتى رفض، لكن ما يغيض هو ذاك الشعور او بالأحرى تلك الشهوة المتجدرة "le désir viscéral" لكسر الآخر، لنبذ الآخر  لتبخيس الآخر، وهي محاولة تكتسي طابعا شوفينيا متجاوزا خصوصا عندما تصدرممن يظن نفسه مالك للحقيقة، و عوض الخوض في جوهر النقاش، تستهويه القشور بفعل غياب آليات المحاججة و المطارحة. و للتضليل تراه يلقي باسماء رجال فكر تارة، و بنظريات رجال علم تارة اخرى، مستشهدا بمقولات ذات جوهر لكن بتغريدة خارج السرب، غايته "الابهار" وهي ليست الا لحظة عابرة (quart d heure de gloire/ او quart d heure de célébrité) كما كان يحلو للفنان الأمريكي Andy Warhol ان ينعت اللحظة.
و نحن نعيش هذه المحنة بفعل الجائحة التي هزت العالم، و نحن كلنا اسى و حزن على الأرواح التي طالتها المنية، تغمدهم الله برحمته، والهم ذويهم الصبر و السلوان، و حفظ الله بلدنا من شر الوباء، لا زال املنا قائما لاستخلاص العبر من هذا المصاب، عسى ان نبلغ نضج تدبير اختلافنا و تغيير سلوكنا وتقويم اعوجاجنا، بعيدا عن المقت و الكره، و الرفض و الضغينة، فكلنا في سفينة.
أجي بعدا، لماذا نختلف؟ لاننا جبلنا على ذلك، فاختلافنا في الفهم، و اختلافنا في اللون و اختلافنا في العقل، و اختلافنا في تمثل الكون و العالم، و لو اننا نرتدي نفس النظارات التي ارادها لنا المجتمع لنبصر بها الواقع. فهل نراه و نتمثله بنفس الطريقة؟ ومن خلال نفس النظارات؟ اترك لكم الجواب. و كيف ما كان الجواب، فهل كل تراكمنا، وتنشئتنا، و تجاربنا، و مسيراتنا غير كافية لتطويع اختلافنا في الرأي؟ و بعيدا عن الأحكام الجاهزة؟
فقط لا ننسى ان الإنسان بجوهره وليس بمظهره. وكما أطللت عليكم بقول لأبي العتاهية، سأترككم مع مقتطف من ارجوزته الشهيرة ذات الأمثال، لان فيها عبرة و حكم.
الناس في غفلاتهم          ورحى المنية تطحن
ما دون دائرة الردى          حصن لمن يتحصن