تحليل

قفّتُكم فرصتنا

سعيد لكحل

لكل أزمة تجارها الذين يستغلون ظروف المواطنين وحاجاتهم لتحقيق المكاسب المادية أو السياسية أو هما معا .
فتجار المآسي والأزمات يتعطل لديهم الوازع الديني والشعور الوطني وكذا الضمير الإنساني ولم يعد همّهم سوى الأرباح المادية أو الأصوات الانتخابية .وليس غريبا على الذين يتاجرون بالدين أن يتاجروا بكرامة المواطنين ومآسيهم أن يسارعوا إلى استغلال الفرص لمراكمة الأموال أو الأصوات الانتخابية. قد يتفهّم المرء تربص تجار المواد الغذائية أو مواد التعقيم بالفرص التي وفرها انتشار فيروس كورونا وحالة الخوف التي تملّكت المواطنين من نفاذ هذه المواد خصوصا بعد الإعلان عن الحجر الصحي، لأن التجار يحركهم الربح والجشع ، وكلما كانت فرص الربح أكبر صار الجشع أخطر .
لكن العسير عن الفهم هو أن يستبد الجشع بكل أنواعه بمن يزعمون الإيمان ويدّعون الاستناد إلى المرجعية الدينية في تفكيرهم وسلوكهم فضلا عن تظاهرهم بالتقوى والوطنية .
إن الأخلاق الإيمانية والمبادئ الوطنية لا يمكنها أن تسمح للمتشبعين بها الاتجار بظروف المواطنين الصعبة جراء التوقف القسري عن العمل بسبب إجراءات الحظر الصحي .
وها هي جائحة كورونا تكشف عن حقيقة المتاجرين بالدين أنهم لا يرعون ذمة ولا عرضا ولا عوزا .
إذ تداولت الصحف الوطنية ومواقع التواصل الاجتماعي أخبارا من عدة مدن تفيد استغلال أعضاء من حزب العدالة والتنمية وجمعيات تابعة له أو متعاطفة معه الأوضاع الاجتماعية للأسر التي تعاني الهشاشة وتوقف معيلوها عن العمل والكسب خلال فترة الحجر الصحي .
والاستغلال  اتخذ أشكالا متعددة ولأهداف مركّبة .وكان شعار هذا الاستغلال "قفتكم فرصتنا" بحيث يتم توجيه المحسنين الراغبين في تقديم يد المساعدة للأسر المتضررة إلى أصحاب المتاجر  الذين هم أعضاء بالحزب لتسديد سعر العدد المتبرع به من القفف ، ليتولون بدورهم تسليمها إلى أعضاء الحزب لتوزيعها  باسم هيئتهم السياسية وبخلفية سياسوية على السكان المتضررين. ما يقوم به المتاجرون بالمآسي والأزمات ينطبق عليهم المثل الشعب (في عام الجوع تتسمان الكلاب) .
فأعضاء الحزب يستغلون الأزمة لتحقيق المكاسب المادية وتوسيع محيط المتعاطفين واستقطاب الناخبين لضمان أصواتهم في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة . هكذا يستغل أعضاء الحزب أزمة كورونا لتحقيق المكاسب المادية عبر إغناء التجار المكلفين بإعداد وبيع القفف (مثال:تم جمع 2000 قفة بالقنيطرة بمبلغ 50 مليون سنتيم) ، ومكاسب سياسية عبر الدعاية الانتخابية السابقة لأوانها لفائدة الحزب.
استغلال الأزمة وحاجة المواطنين إلى المساعدات الغذائية لأغراض سياسية أمر ينافي التعاليم الدينية التي يدعي أعضاء الحزب الامتثال إليها والتي تجسدها الآية الكريمة ( إنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) ، لكنهم يريدون منهم أصواتا انتخابية ومكاسب سياسية .ويتولى وسطاء عملية تحديد لائحة الأسر  المستهدفة والدوائر الانتخابية المعينة إما لتكريس نفوذ مستشاري الحزب أو تقوية حظوظ فوزهم في الانتخابات القادمة .
فالحزب يبدع في أشكال استغلال المناسبات والأزمات عبر تقديم المساعدات ، ويوظف في هذا الإطار شبكة الجمعيات المدنية التي أنشأها (يفوق عددها 20 ألف جمعية ) والتي تتلقى الدعم المالي المباشر من الوزارات التابعة للحزب وكذا المجالس المحلية التي يسيرها أعضاؤه .
لا شك أن المواطنين ينتظرون من حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة لولايتين مشاريع تنوية يكسبون منها قوتهم ويحفظون كرامتهم بكدهم وعرق جبينهم ، كما ينتظرون منه تجويد الخدمات الاجتماعية في الصحة والتعليم والنقل، ولا ينتظرون صدقات يتبعها منّ أو طمع في الأصوات الانتخابية.هكذا يتأكد للمواطنين أن الحزب حين اعتمد إستراتيجية رفع الدولة يدها عن الصحة والتعليم والتشغيل ، وكذا حين اتخذ قرار إلغاء الدعم عن المحروقات والمواد الغذائية، لم يكن الهدف دعم الفئات المهمشة وتحسين أوضاعها المادية والاجتماعية، ولكن الهدف الحقيقي هو توسيع دائرة الفقر والتهميش للاتجار بكرامة الفقراء واستغلال ظروفهم الاجتماعية وتحويلها إلى أصوات انتخابية ينافس بها بقية الأحزاب على صدارة النتائج والفوز بالمقاعد والمناصب.
أمام هذه الممارسات الاستغلالية ، يكون من واجب السلطات الإشراف المباشر على جمع التبرعات وتوزيعها على المواطنين المحتاجين مع التصدي بكل حزم لكل الذين يستغلون الوضع لتحقيق المكاسب المادية أو السياسية .